لم يكن حفلاً عادياً.. أو نسخة لما سبق.. جمع الماضي والمستقبل والغرب والشرقبعد حفل مدهش في فقراته وإضاءاته، سيبقى طويلا في ذاكرة الزمن، كان نجمه الأول الإبداع القطري الذي ظل يصول ويجول لدرجة أن المتابع تمنى لو أن الوقت يطول ويطول.
ليلة توجت «12» عاما من الاستعداد والبذل والعطاء والكفاح والنضال، فجاء المشهد مؤثرا ومعبرا، اختصر في «30» دقيقة الرسالة الإنسانية الطموحة لقطر والعرب جميعا.
الذين تابعوا الحفل، أدهشهم هذا المزج الفريد بين الثقافات.. بين الأصالة والحداثة، والدعوة الجميلة للتلاقي والوحدة والسلام والوئام.
حفل الافتتاح حمل رسالتين أساسيتين هما قدرة قطر على تنظيم أكبر البطولات بنجاح كبير رغم كل الظروف، وإيمان قطر بالحوار القائم على الاحترام وتوحيد الصفوف.
قطر أبهرت العالم من خلال هذا الحدث الاستثنائي، وحملت المسؤولية على أكتافها وحققت أهدافها، وأبرزها تحويل هذا الحدث الرياضي الكبير إلى رسالة سلام وحوار وفرصة للاستمتاع بالرياضة وكرة القدم في أجواء منظمة ومناسبة، والتشجيع على التفاهم بين الحضارات والثقافات المختلفة، تحت سقف واحد وفي بلد لطالما كانت له أدواره في الوساطات ودعم الحوارات من أجل عالم يعيش بأمن وسلام.
لم تنظر قطر يوما إلى المونديال باعتباره أداة سياسية أو وسيلة اقتصادية، وإنما تعاملت معه على الدوام باعتباره فرصة للتواصل الإنساني والحضاري، يجتمع الناس فيها على اختلاف أجناسهم وجنسياتهم وعقائدهم وتوجهاتهم هنا في دوحة الجميع، وحول الشاشات في جميع القارات، للمشاركة في لحظات الإثارة ذاتها.
حفل الافتتاح أكد أن ما عملت من أجله قطر طيلة «12» عاما تحقق بنجاح، وقد جاءت ردود فعل الحضور في استاد البيت وفي محيطه وفي مناطق المشجعين المختلفة، ومليارات من البشر تابعوا الحفل عبر الأثير والشاشات والمنصات، لتؤكد أن قطر حققت ما أرادت ببراعة، وحولت هذا الملتقى إلى ساحة للحوار والانصهار بين مختلف الأقوام والقوميات.
ردود الفعل العربية والعالمية على هذا الحدث أكدت كل ذلك، وقد سمعنا وتابعنا الإشادات من كل حدب وصوب، وكان لافتا اهتمام وتفاعل وسائل الإعلام العالمية بعد هذا النجاح الساحق، وبعد معاينتها عن قرب للتسهيلات والإمكانيات التي وفرتها قطر في سبيل تقديم نسخة فريدة من هذه البطولة الكبيرة.
وقد نوهت وسائل الإعلام هذه بحفل الافتتاح الذي استغرق «30» دقيقة، وشمل برنامجا مكونا من سبع فقرات، أحياها فنانون عالميون، ومزج بين التقاليد القطرية والثقافة العالمية، فضلا عن الاحتفاء بالمنتخبات الـ «32» المشاركة، وبالدول المستضيفة للنسخ السابقة لكأس العالم، وبمتطوعي البطولة.
شبكة «سي إن إن» العربية نوهت بحفل الافتتاح ووصفته بالتاريخي، مشيرة إلى أن الحفل الذي أقيم في استاد البيت بمدينة الخور، خطف أنظار العالم، كما أنه تمحور حول التقارب بين كل الشعوب، والتغلب على الاختلافات، من خلال الإنسانية والاحترام.
ما نشرته وسائل الإعلام العربية والعالمية أثلج صدورنا، وعندما اعتبرت أن قطر دخلت تاريخ كرة القدم والرياضة العالمية من بابه الواسع، لتدون فصلا جديدا من فصول استضافة المونديال، كأول دولة عربية شرق أوسطية تحتضن الحدث الكوني الكبير، فإن ذلك أسعدنا وأسعد كل الذين عملوا من أجل هذا اليوم، وهو أسعد العرب جميعا الذين كانوا حاضرين بقوة في مشهد أرادته قطر أن يكون عربي الروح، وهو ما تحقق.
لقد أعلن صاحب السمو افتتاح البطولة «من قطر، من بلاد العرب»، ليجدد ويؤكد ما التزمنا به منذ اليوم الأول أنها بطولة لمنطقة كاملة ظلت لعقود خارج اهتمامات العالم، وجاء اليوم الذي انتظرناه بفارغ الصبر أخيرا، وحقق كل ما تطلعنا إليه.
حفل الافتتاح جعلنا ننسى كل تعب وأرق وسهر، فقد اختصر المسافات ووضعنا وجها لوجه في مواجهة الإشادات، نشعر بالفخر وطعم الإنجازات.
لقد تحول الحلم إلى حقيقة، وكان مصدر السعادة الإضافي هو أن أصوات المهنئين بالنجاح والمصفقين له، كانت أعلى بكثير من تلك الأصوات التي دأبت على توجيه الانتقادات ومحاولة وضع العصي في عجلة الاستعداد لهذا الحدث.. بل إن بعضهم اضطروا إلى تدوين الإشادة فلم يعد ممكناً كتم الشهادة.
هذه الأصوات النشاز تراجعت بالأمس أمام العمل المذهل الذي قابله العالم بالترحيب والثناء على ما شهده من دقة وجمال وتنظيم، وإبهار أيضا، ومع إدراكنا بأن هذه الأصوات ستبقى تحاول التشويش على ما أنجزناه، إلا أن ما يخفف من قيمتها ويقلل من شأنها هو الإشادات الواسعة.. فأصبحوا خلفنا..
أصواتهم خافتة ووسائلهم صامتة
سهرت الدوحة حتى الصباح، بعد حفل رائع حفّز الجميع، وهي ستسهر كل ليلة طيلة فترة المونديال الذي أبهجنا بحضوره، وكل المتابعين في أنحاء المعمورة، ولم ينس هؤلاء المحرومين في مناطق مضطهدة، وفي مخيمات اللاجئين، فهم كذلك تسللت الفرحة إلى قلوبهم، لترفع عنهم قطر بعضاً من همومهم.
محمد حمد المري - رئيس التحرير المسؤول