انطلقت البطولة وكل شيء يسير كما هو مخطط له إن لم يكن أفضل، ولم يعد هناك مجال للحديث عن الاستعدادات، فالمنتخبات المشاركة حضرت إلى قطر، إلى عاصمة العالم هذه الأيام وتعايش الحدث وتشارك في صنعه وتشاهد روعة كل شيء وتشهد بأن البطولة كما قيل ستكون أفضل بطولة في تاريخ المونديال، ولن نزيد على ما قاله رئيس الفيفا السيد انفانتينو.
ما أود الحديث عنه المكاسب التي تتحقق حاليا من استضافة البطولة في قطر في بلاد العرب، وأهم هذه المكاسب أنه لأول مرة في تاريخ البطولة تكون كلمة الافتتاح باللغة العربية يلقيها على العالم قائد عربي، وفقرات حفل الافتتاح باللغة العربية، تعرض عناصر هويتنا ومكونات ثقافتنا، وتبرز كينونتنا، استمع العالم أجمع لرسائل قائدنا حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى جاء في إحداها نعمل لخير البشرية، وفي رسالة ثانية دعا إلى أهمية التواصل الإنساني على الرغم من اختلاف الجنسيات والأعراق والعقائد، وفي ثالثة وجَّه إلى ترك ما يفرق والاحتفاظ بما يجمع، إنها فعلا رسائل قيادية تعكس المعنى والمفهوم الحقيقي للقيادة.
ولأول مرة تتحدث وسائل الإعلام العالمية عن الأذان، نداء المسلمين للصلاة، الذي يصدح كل يوم خمس مرات، ويستعذبه ضيوف قطر من غير المسلمين، وإن كانوا لا يفهمون مقاطعه أو فقراته لاختلاف ألسنتهم، كما أن مئات بل آلاف الإعلاميين والـ «يوتيوبرز» حلوا ضيوفا على قطر، يتجولون الآن في مدنها وأحيائها ومعالمها ويصورون ما يريدون بكل حرية، ينقلون للعالم صورة عن العرب مشرفة وحقيقية غير الصورة السيئة النمطية التي زرعها الإعلام الغربي المزيف والمضلل في أذهان شعوبه، كل هذا مكاسب لا يستهان بها، مكاسب كبيرة سوف نجني ثمارها من الآن فصاعدا، بحمد الله قد نجحنا وسوف نتفرغ لما بعد النجاح.
أيضا يجدر بي التطرق إلى موضوع ثار حوله جدل طويل ممن لا تتوفر لهم معلومات سلمية عن قطر، وممن لا يتمتعون بصدق وحسن النوايا، ألا وهو موضوع الإنفاق على الاستعدادات لمونديال 2022، بعض هؤلاء يجهلون وبعضهم يتجاهلون أن قطر لديها رؤية وطنية تعكف على تنفيذها هي رؤية 2030، وبمقتضى هذه الرؤية يتم تحديث البنية التحتية وفق أعلى المعايير العالمية، وتوسعة وتطوير مطاري حمد الدولي والدوحة الدولي، وإنشاء ميناء حمد البحري وتطوير ميناء الدوحة الدولي، وإنشاء مشروع الريل، وتشييد الطرق والمحاور والأبراج الشاهقة، وتطوير قطاعات الصحة والتعليم والنقل والتحول الرقمي والاهتمام اللامحدود بالبيئة، كل هذه المشاريع واردة ضمن مرتكزات رؤية قطر 2030 ولم تكن مرهونة بوجود المونديال في قطر، كانت ستتم وُجِدَ المونديال أم لم يوجد، أتمنى أن تكون الصورة وضحت لهم، والحقيقة تجلت أمامهم.
كل هذه مشاريع تنضوي تحت تحقيق أهداف التنمية المستدامة، تستفيد منها الأجيال الحالية والأجيال القادمة، وتحفظ نصيب هذه الأجيال القادمة في خيرات وموارد بلادهم، يشبُّون عن الطوق ليجدوا بلدهم تفوَّق على عصره في البنية التحتية والمنشآت، إرث مستدام.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فالاستدامة من المونديال لم تتحقق لقطر وحدها بل للعرب والمسلمين جميعا، بعدما جاءت الملايين من الجماهير إلى منطقتنا العربية خلف منتخباتهم، ورأونا على حقيقتنا الحضارية التي عكس ما يعرفون عنا، إنها ذكريات جميلة ستظل محفورة في أذهانهم يروونها لأولادهم.
لم تغب المكاسب السياسية هي الأخرى عن المونديال، وبدفء الدوحة ذاب الجليد الذي جمَّد العلاقات بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان، فشاهدهما العالم يتصافحان ويمسك كل منهما بيد الآخر، بحضور قائدنا ورمز عزنا سمو الأمير، حفظه الله ورعاه، ومما لا شك فيه أن هذه المصافحة وعودة المياه إلى مجاريها بين الزعيمين على أرض قطر ستعود بالخير على الشعبين العزيزين، فاللهم أدم على قطر أنْعُمِك، ووفقها لتظل دائما قوة للخير والسلام.
بقلم: د. بثينة حسن الأنصاري خبيرة تطوير التخطيط الاستراتيجي والموارد البشرية