+ A
A -
توقفت أمام محل عطور في عاصمة العالم العربي «السياحية والتجارية» دبي.. اقول عاصمة فهي فعلا عاصمة، وهي مدينة بمعنى الكلمة.. ليست مدينة شرقية بل مدينة أوروبية أو أكثر من اوروبية بشوارعها وابراجها، وجسورها، وانفاقها، ومطارها، وإنسانها، وهي مدينة تلبس ثوبا جديدا كل صباح.
توقفت أمام ذلك المحل، ابحث عن عطر هدية.. وقد يكون موجودا في الدوحة وبسعر أقل، ولكن شهوة المعرفة جعلتني اقف امام الاشياء كل الاشياء في الاسواق والفنادق.. فقد زرت المدينة عدة مرات، وفي كل مرة اجدها بحلة جديدة وعقل جديد وإنسان آخر وبعيني «الثالثة» تجولت في كل الامكنة وتفحصت كل الاشياء حتى «سارس».. توقفت عيني الثالثة أمام سعر «غرشة» العطر الفرنسية «600» درهم.. يا الله.. صرخت لماذا؟! يعني 123 دولارا، يعني سعر أربعة براميل نفط، قلت للبائعة: «4» براميل نفط مقابل «50» «مل لتر» انها جريمة. تدخل صاحب المحل «الدبيي» وقال: ولماذا تستغرب؟. فهذه العطور من افضل الماركات وصناعتها تكلف الكثير من الدولارات، فهي من رحيق اجمل الزهرات التي تعتني بها اجمل الفرنسيات.. كم «غرشة» تريد؟ قلت «5» غرشات يعني بـ «3000 ريال». أي بما يعادل «821» دولارا، أي بسعر «18» برميل نفط.. وهل تعلم كم يكلف برميل النفط. فهو يكلف حوالي 25 دولارا خاما، ونقله يكلف 8 دولارات، وعمولته دولار، ويباع بين 40 - 45 دولارا في احسن الاحوال، فقال الدبيي: نحن في دبي لا يوجد عندنا نفط، ودخلنا القومي يعتمد على «التجارة الحرة» بأنواعها، والسياحة بأنواعها، واسبانيا لا تعتمد على النفط، ودخلها القومي يعادل دخل العالم العربي مجتمعا بما فيه نفطه وصناعته وتجارته، ونحن نتطلع في دبي ان نكون مختلفين عن العالم العربي وان يكون دخلنا القومي لوحدنا هنا في هذا البلد معادلا لدخل سنغافورة التي تعتمد في دخلها على السياحة وصناعتها المحلية، تركت غرشة العطر التي لا يساوي حجمها نقطة في برميل نفط.وخرجت من المحل وانا اقول: مع فرنسا الحق في ان تقف في وجه اميركا فلديها ثروة عطرية قومية تعادل الثروة النفطية الاميركية غير القومية.ومع دبي الحق أن تهتم بالعطر الفرنسي فكل انثى تريد ان تتعطر «بالفرنسي» فالباحثون عن الرائحة الباريسية لإهدائها للحبيبة للزوجة للأعزة.. لا يسأل عن سعر برميل النفط.
نبضة أخيرة
حين يصل بك الإيمان بالشيء تضحي للشيء بكل شيء!
بقلم : سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
09/11/2016
1011