تمثل الحالة العربية اليوم شكلاً متقدماً من أشكال تمدد الفوضى وانتشارها متأثرة بثورات الشعوب الأخيرة. فالمشهد الذي يغلب عليه انعدام الاستقرار في أكثر من بلد عربي يترجم حالة خاصة أو طورا متقدما من أطوار الصيرورة التاريخية للأمة العربية. الثابت الأول هو أنّ المنطقة كانت دائما مسرحا لتنوع ثقافي وعرقي وحضاري شكّل في طور من أطوار الأمة سببا من أسباب ثرائها ونهضتها. فقد عايش المكون العربي كل المكونات الثقافية الأخرى وتأقلم معها وصهرها وحافظت في ظله على كل خصائصها طوال قرون طويلة من الزمان.
لكننا اليوم نشهد تفككاً في النسيج المجتمعي والحضاري للأمة حيث بدأ المكون الكلّي العربي في الانحسار تاركاً مكانه للأقليات المجهرية الآخذة في التمرد على الحضن الذي عاشت في كنفه طويلا. في سوريا ولبنان والسعودية واليمن ومصر والجزائر والعراق... والأمثلة لا تكاد تنتهي مؤشرة على تحول الأقليات إلى عنصر من عناصر الأزمات التي تفتك بالنسيج المجتمعي مستفيدة من طور الوهن الذي دخلت إليه الأمة والذي لم تفارقه بعد.
علاقة الأقلية بالأكثرية هي كعلاقة الكل بالجزء أو كعلاقة الكل بالأجزاء لكن منطق الأقلية في المنطقة العربية سواء كانت أقلية قومية أو دينية أو غيرها فإنه مبني على التمرد وعلى محاولة السيطرة على الكل وتوجيهه. إن تحرك الشيعة في البحرين خلال ثورات الربيع العربي ومحاولة إيران اختراق ثورات الشعوب وتوجيهها لصالح مصالحها التوسعية في المنطقة كانت أولى الأدلة على بروز العنصر الخارجي كموجه أساسي لمطالب الأقليات.
في العراق كذلك حركت إيران المكون العربي الشيعي عبر الأحزاب والواجهات التي صنعتها خلال حكم صدام حسين ونجحت اليوم وإلى حد كبير عبر التعاون مع المحتل الأميركي في اخضاع العراق لسيطرتها غير المباشرة. في مصر أيضا تحالفت الكنيسة القبطية مع الجنرال الانقلابي كما فعل الأزهر وشجعت منتسبيها على التظاهر دعما للانقلاب حيث تعتقد الأقلية هناك أن النظام العسكري هو نظام حامٍ لها من الأغلبية التي ترى فيها تهديدا في حين أن المنطقة العربية تعد من أكثر المناطق الحضارية استيعابا للأقليات عبر تاريخ طويل من التعايش المشترك.
تتحرك الأقليات بقوة وتحاول فرض منطقها الخاص وفي بعض الأحيان الاستقلال عن الكل في حالات الأزمات التاريخية أو عندما يتعرض الكلّ إلى حالة من التدهور الحضاري مثلما هو الحال في منطقتنا اليوم.
لكن إذا كان من حق الأقليات التعبير عن مطالبها الخاصة فإنه عليها عدم الخلط بين المطالب الخاصة وبين السقوط في المشاريع الاستعمارية التي توهمها أنها ستحقق لها مطالبها الخاصة. فالنظام الاستبدادي العربي لم يكن يستثني في سلوكه القمعي الأقلية عن الأغلبية ولا العكس أيضا بل هناك أقليات نجحت في الوصول إلى السلطة وفي ممارستها بمنطق الأقلية مثلما فعل ويفعل النظام السوري في سوريا حيث تحكم الأقليةُ الأغلبيةَ.
إن مشكلة الأقليات في المنطقة العربية إنما تمثل في جزء كبير منها إحدى المعضلات التي لها علاقة وطيدة بالنظام السياسي العربي ككل فهي لا تنفصل عنه. ففي كل الأمم والدول تعيش أقليات تكبر وتصغر لكن فساد النظام السياسي العربي من ناحية وتوظيف الخارج لهذه الأقليات بسبب ضعف الأمة العام هو الذي يجعل الجزء متمردا على الكل ومهددا له في حالات كثيرة كما هو الحال اليوم في المنطقة العربية.
بقلم : محمد هنيد
لكننا اليوم نشهد تفككاً في النسيج المجتمعي والحضاري للأمة حيث بدأ المكون الكلّي العربي في الانحسار تاركاً مكانه للأقليات المجهرية الآخذة في التمرد على الحضن الذي عاشت في كنفه طويلا. في سوريا ولبنان والسعودية واليمن ومصر والجزائر والعراق... والأمثلة لا تكاد تنتهي مؤشرة على تحول الأقليات إلى عنصر من عناصر الأزمات التي تفتك بالنسيج المجتمعي مستفيدة من طور الوهن الذي دخلت إليه الأمة والذي لم تفارقه بعد.
علاقة الأقلية بالأكثرية هي كعلاقة الكل بالجزء أو كعلاقة الكل بالأجزاء لكن منطق الأقلية في المنطقة العربية سواء كانت أقلية قومية أو دينية أو غيرها فإنه مبني على التمرد وعلى محاولة السيطرة على الكل وتوجيهه. إن تحرك الشيعة في البحرين خلال ثورات الربيع العربي ومحاولة إيران اختراق ثورات الشعوب وتوجيهها لصالح مصالحها التوسعية في المنطقة كانت أولى الأدلة على بروز العنصر الخارجي كموجه أساسي لمطالب الأقليات.
في العراق كذلك حركت إيران المكون العربي الشيعي عبر الأحزاب والواجهات التي صنعتها خلال حكم صدام حسين ونجحت اليوم وإلى حد كبير عبر التعاون مع المحتل الأميركي في اخضاع العراق لسيطرتها غير المباشرة. في مصر أيضا تحالفت الكنيسة القبطية مع الجنرال الانقلابي كما فعل الأزهر وشجعت منتسبيها على التظاهر دعما للانقلاب حيث تعتقد الأقلية هناك أن النظام العسكري هو نظام حامٍ لها من الأغلبية التي ترى فيها تهديدا في حين أن المنطقة العربية تعد من أكثر المناطق الحضارية استيعابا للأقليات عبر تاريخ طويل من التعايش المشترك.
تتحرك الأقليات بقوة وتحاول فرض منطقها الخاص وفي بعض الأحيان الاستقلال عن الكل في حالات الأزمات التاريخية أو عندما يتعرض الكلّ إلى حالة من التدهور الحضاري مثلما هو الحال في منطقتنا اليوم.
لكن إذا كان من حق الأقليات التعبير عن مطالبها الخاصة فإنه عليها عدم الخلط بين المطالب الخاصة وبين السقوط في المشاريع الاستعمارية التي توهمها أنها ستحقق لها مطالبها الخاصة. فالنظام الاستبدادي العربي لم يكن يستثني في سلوكه القمعي الأقلية عن الأغلبية ولا العكس أيضا بل هناك أقليات نجحت في الوصول إلى السلطة وفي ممارستها بمنطق الأقلية مثلما فعل ويفعل النظام السوري في سوريا حيث تحكم الأقليةُ الأغلبيةَ.
إن مشكلة الأقليات في المنطقة العربية إنما تمثل في جزء كبير منها إحدى المعضلات التي لها علاقة وطيدة بالنظام السياسي العربي ككل فهي لا تنفصل عنه. ففي كل الأمم والدول تعيش أقليات تكبر وتصغر لكن فساد النظام السياسي العربي من ناحية وتوظيف الخارج لهذه الأقليات بسبب ضعف الأمة العام هو الذي يجعل الجزء متمردا على الكل ومهددا له في حالات كثيرة كما هو الحال اليوم في المنطقة العربية.
بقلم : محمد هنيد