+ A
A -

في كتابه «الخرافات المختارة» يحدثنا «لافونتين» عن أول رجل رأى الجمل فهرب مذعورا منه، بينما تجرأ الثاني على الاقتراب منه ولكن على مسافة، أما الثالث فوضع رسنا حول رقبته واقتاده!ذلك أن الإلفة الرافعة للكلفة تجعل كل الأشياء في هذا الوجود أليفة، لأن ما يبدو رهيبا وغريبا يصبح عاديا تماما عندما تتاح لأعيننا برهة من الزمن للتكيف!وبما أني أتحدث في هذا الموضوع، فقد سمعت عن حراس كانوا يتخذون مواقعهم على الشاطئ، فلمحوا شيئا طافيا من بعيد، فلم يستطيعوا أن يقاوموا صرخة من حناجرهم: شراع، شراع، سفينة حربية قوية!وبعد خمس دقائق صارت في أعينهم قاربا صغيرا لتقل الناس والبريد، ثم زورقا من خشب صنعه أطفال، وأخيرا تبين لهم أنها لم تكن غير مجموعة من العصي الطافية على وجه الماء! هناك مقولة طريفة «لدوستويفسكي» يمكن الاتكاء عليها لشرح الفكرة التي أوردها «لافونتين»:أسهل طريقة لنسيان امرأة تحبها هي أن تتزوجها، غير ذلك ستبقى تحبها! الفكرة أن الأشياء من بعيد يبدو لها هالة تأخذ بالألباب، وتجعلنا نرسم لها صورة مثالية، أما القرب الزائد منها فيظهرها على حقيقتها!القمر من الأرض يبدو ساحرا وخلابا، شيء معلق في السماء بأناقة، مضيء بحنان، ويمكن النظر إليه دون أي أذى للعيون، حتى أن الناس من شدة افتتانهم بجماله يشبهون أحبابهم به! ولكن القمر من قريب ما هو إلا جرم سماوي ميت لا حياة فيه، مكان أجرد ليس فيه إلا الحجارة!وهكذا الناس!نحن ننظر إلى حياة المشاهير والنجوم، الأثرياء والساسة، من الزاوية التي يرينا إياها الإعلام فقط! الجانب المشرق والمثالي الذي ينقصنا نحن البشر العاديين!ولكن صدقوني لو أتيحت لكم فرصة معاشرتهم عن قرب فستتغير النظرة كثيرا، وستصبح نظرات الإعجاب نظرات اشمئزاز ربما! أو على الأقل ستندثر هذه الهالة المحيطة بهم!ستجدون دائم الابتسام في صوره ومقابلاته نكديا، والرومانسي الذي تحلم به الفتيات لا تطيقه زوجته من شدة عجرفته وإهماله لها!والتي تتبعون أخبارها من المشاهير لو عشتم معها أسبوعا فلن تطيقوا بعد ذلك النظر في وجهها دقيقة!لا تصدقوا كل ما ترونه، من النادر أن يظهر من بعيد كل المشهد، خلف الحكاية حكاية أخرى، وفي داخل القصة قصة مختلفة تماما، إنهم مثلنا تماما لهم عيوبهم، لا يطاقون أحيانا، أو ربما دائما!

copy short url   نسخ
05/06/2022
185