عاشت الولايات المتحدة ساعات عصيبة، ومخاضا طويلا للتعرف على ملامح رئيسهم القادم إلى البيت الأبيض، وسط حالة من الانقسام الشعبي والإعلامي حول المرشحين المتنافسين على كرسي الحكم، فيما العالم الخارجي كله كان يسترق النظر من شاشات التلفاز والموبايل، ويقف على أطراف أصابعه.. يترقب.. يتأهب.. حابسا أنفاسه متطلعا إلى ما تفضي إليه معركة الرئاسة.
طال الانتظار، والجميع يتشوق لإسدال الستار على واحدة من أسخن وأقوى الانتخابات في تاريخ الولايات المتحدة الذي يمتد عمرها الديمقراطي لأكثر من 200 سنة.. فجاء الانتصار بصوت جهوري، جمهوري بعد صدارة بجدارة من البداية إلى النهاية ليكتب أنصار الفيل تاريخا جديدا متمثلا في استعادتهم لمقاليد الحكم في البيت الأبيض، وقالت المفاجأة كلمتها المدوية، واختارت أميركا فارسها المثير للجدل والذي بدأ مندفعا في تصريحاته ومتهورا في خطاباته طوال فترة التحضير لهذا «الحدث» الكبير قبل أن يظهر متزنا في «الحديث» الأول إلى الجماهير.. مما بعث برسالة اطمئنان للعالم مفادها أن الرجل الثائر بدا للوهلة الأولى «مسالم».. بعد أن توج جهده الحثيث بنجاح وبأسلوب جديد وكأنه يقول «لكل حدث حديث»!
هذه حقيقة شاهدها العالم على مدار عشر ساعات، وصفق لنزاهتها الديمقراطية، وروحها الرياضية فهي ليست مسرحية، أو تمثيلية انتخابية على الطريقة العربية!
قبل المعركة الرئاسية بساعات كنا نظن- وعطفا على استطلاعات رأي وتقديرات إعلام- أننا مقبلون على مباراة من طرف واحد لما للوزيرة المخضرمة هيلاري كلينتون من ثقل سياسي ودبلوماسي داخلي وخارجي، ولما لشخصيتها الكارزمية من تأثير لدى الشارع الأميركي، وساعد على هذا التوقع الصورة المهزوزة التي ظهر عليها منافسها السبعيني، ومواقفه الغريبة وتصريحاته العجيبة والتي لا تخلو من الحدة والشدة تارة، ومن الطرافة تارة أخرى، لكن كان للمباراة فصل باسم ورأي حاسم شكّل ملامحها نجم الليلة و«بطل الأكشن» في هذه المعركة الذي ضحك فيها أخيرا وكثيرا، رغم انحياز الإعلام الأميركي ضده وسخريته منه.
لم يحبط أو يسقط وراهن على صناديق الاقتراع وليس على وسائل الإعلام فكان الأكثر شعبية وجماهيرية وكأن لسان حال الشعب يقول: سئمنا من هذه السياسات الزرقاء ونتوق للتبديل عبر حزب الفيل، والعناية بالاقتصاد والأمن والأمان والتأمين والالتفات للداخل وقضاياه المتشابكة على حساب الخارج وحروبه ومشاكله.
شخصيا لم أتوقف كثيرا عند ما قاله الرئيس الخامس والأربعون دونالد ترامب في الفترة التحضيرية فهي لا تعدو كونها بالونات انتخابية كما هو الحال مع كل الاستحقاقات النيابية والرئاسية في العالم، واعتبره ذكاء منه إن استطاع أن يقنع الناخبين ببرنامجه وخطة علاجه ووعوده ووعيده.. وعاشوا معه في جو من التفاؤل لتحقيق الأحلام السعيدة!
فعندما يدخل البيت الأبيض سيتحول لشخصية أخرى و«رجل دولة» ملزم بتنفيذ الاتفاقيات المبرمة مع الدول والعمل بتناسق وانسجام مع أجنحة الحكم في الولايات المتحدة ومراعاة مصالحها في الداخل والخارج، والالتزام بميثاق هيئة الأمم المتحدة وفق القانون والقرارات الدولية.
ترامب كان وعد بهزة «أقوى بثلاث مرات من بريكست» يوم الانتخابات وحقق الناخبون أمنيته وأغرقوا أميركا والعالم في حالة من الشكوك، وهو لم يفز منفردا، إذ فاز الجمهوريون في مجلس الشيوخ، وسيواصلون بذلك السيطرة على كل الكونغرس الأميركي مما يؤمن أغلبية برلمانية للرئيس المنتخب، وبهذه السيطرة على البيت الأبيض والسلطة التشريعية سيتمكن الجمهوريون من وقف إصلاحات الرئيس باراك أوباما وخصوصا الإصلاح المتعلق بالضمان الصحي الذي يسمى «اوباماكير»، وربما سيفعلون ماهو أكثر من ذلك.
يطرح ترامب حلولا بسيطة لكل المشاكل المعقدة، لذلك تمكن من الوصول للأميركي البسيط الذي يبحث عن فرصة عمل، والذي يهتم بشؤونه الداخلية أكثر من اهتمامه بالقضايا الدولية الشائكة.
لقد تمكن ترامب من النفاذ إلى قلب هذا الناخب وفاز بصوته، عبر التركيز في كل خطاباته العنيفة على مشاعر الإحباط وانعدام الأمن لدى الأميركيين الذين تضرروا من العولمة، لقد أصبح ترامب الأمل في التغيير بالنسبة إلى ملايين منهم.
ساهم ترامب في انقسام حزب جمهوري يواجه صعوبات في فهم ناخبيه، ويعجز عن احتواء التيار الشعبوي، وهو أكثر من أي زعيم في الحزب الجمهوري نجح في تفهم مزاج وغضب قسم من الشعب الأميركي وعلى هذه الأسس بنى فوزه.
الذين تمنوا فوز كلينتون لديهم الكثير من المبررات، وهي تختلف اختلافا جذريا فيما بينها، فدوافع الأوروبيين غير دوافع اللاتينيين، غير دوافع العرب.
دعونا نبدأ من أنفسنا كعرب، هل نحن فعلا أمام خسارة كبيرة؟.
لا يمكن الحديث بهذا المنطق، وما قاله ترامب خلال حملته الانتخابية عن المسلمين، تراجع عنه في أول كلمة بعد فوزه: «سأكون رئيسا لكل الأميركيين»، وكل الأميركيين تعني المسلمين والمسيحيين والبيض ومن هم من أصول أفريقية أو لاتينية.. وغيرهم.
سمعناه أيضا يؤكد امتنانه لمنافسته: «هيلاري عملت لفترة طويلة وبشكل حثيث والولايات المتحدة تشعر بالامتنان عن خدماتها». وكنا سمعنا جميعا ما قاله خلال إحدى المناظرات عندما توعد بسجنها..!
الحملة الانتخابية وما يقال فيها شيء، وتولي المنصب شيء آخر، نحن اليوم أمام الحقيقة وليست الحلم
وهو أمر يدركه ترامب أكثر من أي شخص آخر.
المنطق يستدعي عدم استباق الأمور، وإذا أردنا أن نكون منصفين، فإن علينا ألا نعقد أي مقارنة ما بين ترامب وكلينتون، فهذه الأخيرة لم تصل إلى الرئاسة ولم تمارس مهامها، وهكذا فإن المنطق يفرض علينا أن نقارن السيد ترامب بالرئيس أوباما.
إذا اتفقنا على ذلك فإن ما قدمه أوباما لنا كان خليطا من الإحباط والخيبة، وباستثناء حقيقة أنه كان خطيبا مفوها، فإنه لم يفعل أي شيء آخر لمشكلات المنطقة سوى أنه زادها تعقيدا، وعندما ننظر إلى ترامب اليوم فإننا لا نعرف كيف يمكن أن يعقّدها أكثر مما هي عليه.
بالنسبة للعالم العربي فإن الرئيس أوباما هو الأسوأ، بتردده وتقاعسه، فقد انتهت ولايته وما زالت يده على الزناد كما قالها في ذات يوم مهددا نظام الأسد، وعندما نتأمل ما نعاني منه، نجد أن المشكلة لا تتعلق بالقوى الإقليمية والدولية التي باتت لاعبا رئيسيا في المنطقة، وإنما في الفراغ الذي تسبب به وسمح لهذه القوى بالتقدم من خلاله.
المدهش أو المذهل أو اللافت، سمها ما شئت، أن هناك صدمة وتوجسا لدى المسلمين جميعا، سنة وشيعة، وهذا له ما يبرره عطفا على ما قاله خلال حملته الانتخابية، وطالما الأمر على هذا النحو من سيكون المتضرر من وصوله إلى الرئاسة؟.
السؤال أيضا مبكر لأوانه، لكن المؤكد هو أن الوقت حان من أجل إيجاد حلول تراعي مصالحنا، وتنطلق من الإرث الذي يجمعنا، وطالما الأمر كذلك فإن انتخاب ترامب ربما يشكل فرصة تاريخية لإدراك الكثير من الحقائق، ومن أهمها السلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وهي المهمة التي عجز عنها جميع الرؤساء الأميركيين!
المراهنة على كلينتون أو ترامب لا طائل من ورائها، إذ أن المصالح هي التي تحكم الدول، وبالنسبة لنا كعرب لم نفكر يوما بطريقة ملائمة، لذلك كانت رهاناتنا خاسرة دائما، والآن فقط ربما تكون لدينا فرصة مناسبة للتفكير بطريقة مختلفة تبعا لما نراه مصلحة لنا.
ترامب الرئيس غير ترامب المرشح، وإذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن الولايات المتحدة هي دولة مؤسسات، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فإن هذه المؤسسات لن تنجرف في توجه شعبوي من أي نوع، وقد رأينا ذلك جليا خلال الحملة الانتخابية، الأمر الذي سيفرض على ترامب الرئيس مجموعة من الخيارات المختلفة، بما في ذلك الحفاظ على استراتيجية تراعي مصالح بلاده وعلاقاتها وتحدياتها الدولية.
الشيء المؤكد هو أن علينا التريث قبل إطلاق الأحكام لنعرف أسماء فريق ترامب، ففي نهاية المطاف لن يحكم ترامب وحده ولن يدير دفة السياسة والاقتصاد والصحة والتعليم بمعزل عن خبراء سوف تكون لهم الكلمة الحقيقية في هذه القضايا.
بالنسبة للبعض فإن وصول ترامب للبيت الأبيض
«يوم أسود» وخبر سيئ، لكن هناك خبرا جيدا بالمقابل يتمثل في رحيل الرئيس أوباما!
أسوأ ما يؤخذ على ترامب هو خطاب الكراهية، فقد أثبت أنه يمكن استخدام التعصب والعنصرية، وأظهر أنه من الممكن تجنيد أصحاب نظريات المؤامرة المتطرفين والعنصريين كحلفاء أقوياء دون تنفير الناخبين الجمهوريين العاديين، وهذا يعود أساسا إلى القلق الذي يساور جميع الأميركيين حول مستقبلهم الاقتصادي بعد تراجع قيمة أجور العاملين خلال السنوات الماضية، وهكذا فإن مساعي ترامب سوف تتركز على الإصلاح الاقتصادي وإعادة توطين الصناعات التي هاجرت نحو الصين والمكسيك وغيرهما، لذلك اقترع الأميركيون للمرشح الجمهوري بقوة وهذا أمر طبيعي تماما.
لقد وعد بـ «أميركا قوية»، وهذا يعني اقتصادا أقوى وعلاقات دولية أقوى أيضا، ومثل هذا الأمر لا يمكن أن يتم بمعزل عن الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة وفي مقدمتهم دول الاتحاد الأوروبي، والدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، ما يعني بأن التريث يجب أن يكون سيد الموقف قبل إطلاق الأحكام، وقبل تكرار التجربة المؤلمة مع الرئيس أوباما الذي استبشر العالم به خيرا، ومنحه جائزة نوبل للسلام دون أن يستحقها.
في أول «تغريدة» له بعد فوزه، كتب ترامب «يا لها من امسية رائعة ومهمة! إن الرجال والنساء المنسيين لن يبقوا كذلك بعد الآن، سنتحد كما لم يحصل سابقا».
هذه الرسالة التصالحية من رجل الأعمال المعتاد على توجيه الانتقادات والهجمات اللاذعة من كل الأنواع على حسابه في تويتر، أعاد نشرها 20 ألف شخص ونالت اكثر من 40 ألف تعليق إيجابي..
إذا كان ذلك حدث في بضع دقائق
فدعونا نكب التحليلات وننتظر الحقائق.
طال الانتظار، والجميع يتشوق لإسدال الستار على واحدة من أسخن وأقوى الانتخابات في تاريخ الولايات المتحدة الذي يمتد عمرها الديمقراطي لأكثر من 200 سنة.. فجاء الانتصار بصوت جهوري، جمهوري بعد صدارة بجدارة من البداية إلى النهاية ليكتب أنصار الفيل تاريخا جديدا متمثلا في استعادتهم لمقاليد الحكم في البيت الأبيض، وقالت المفاجأة كلمتها المدوية، واختارت أميركا فارسها المثير للجدل والذي بدأ مندفعا في تصريحاته ومتهورا في خطاباته طوال فترة التحضير لهذا «الحدث» الكبير قبل أن يظهر متزنا في «الحديث» الأول إلى الجماهير.. مما بعث برسالة اطمئنان للعالم مفادها أن الرجل الثائر بدا للوهلة الأولى «مسالم».. بعد أن توج جهده الحثيث بنجاح وبأسلوب جديد وكأنه يقول «لكل حدث حديث»!
هذه حقيقة شاهدها العالم على مدار عشر ساعات، وصفق لنزاهتها الديمقراطية، وروحها الرياضية فهي ليست مسرحية، أو تمثيلية انتخابية على الطريقة العربية!
قبل المعركة الرئاسية بساعات كنا نظن- وعطفا على استطلاعات رأي وتقديرات إعلام- أننا مقبلون على مباراة من طرف واحد لما للوزيرة المخضرمة هيلاري كلينتون من ثقل سياسي ودبلوماسي داخلي وخارجي، ولما لشخصيتها الكارزمية من تأثير لدى الشارع الأميركي، وساعد على هذا التوقع الصورة المهزوزة التي ظهر عليها منافسها السبعيني، ومواقفه الغريبة وتصريحاته العجيبة والتي لا تخلو من الحدة والشدة تارة، ومن الطرافة تارة أخرى، لكن كان للمباراة فصل باسم ورأي حاسم شكّل ملامحها نجم الليلة و«بطل الأكشن» في هذه المعركة الذي ضحك فيها أخيرا وكثيرا، رغم انحياز الإعلام الأميركي ضده وسخريته منه.
لم يحبط أو يسقط وراهن على صناديق الاقتراع وليس على وسائل الإعلام فكان الأكثر شعبية وجماهيرية وكأن لسان حال الشعب يقول: سئمنا من هذه السياسات الزرقاء ونتوق للتبديل عبر حزب الفيل، والعناية بالاقتصاد والأمن والأمان والتأمين والالتفات للداخل وقضاياه المتشابكة على حساب الخارج وحروبه ومشاكله.
شخصيا لم أتوقف كثيرا عند ما قاله الرئيس الخامس والأربعون دونالد ترامب في الفترة التحضيرية فهي لا تعدو كونها بالونات انتخابية كما هو الحال مع كل الاستحقاقات النيابية والرئاسية في العالم، واعتبره ذكاء منه إن استطاع أن يقنع الناخبين ببرنامجه وخطة علاجه ووعوده ووعيده.. وعاشوا معه في جو من التفاؤل لتحقيق الأحلام السعيدة!
فعندما يدخل البيت الأبيض سيتحول لشخصية أخرى و«رجل دولة» ملزم بتنفيذ الاتفاقيات المبرمة مع الدول والعمل بتناسق وانسجام مع أجنحة الحكم في الولايات المتحدة ومراعاة مصالحها في الداخل والخارج، والالتزام بميثاق هيئة الأمم المتحدة وفق القانون والقرارات الدولية.
ترامب كان وعد بهزة «أقوى بثلاث مرات من بريكست» يوم الانتخابات وحقق الناخبون أمنيته وأغرقوا أميركا والعالم في حالة من الشكوك، وهو لم يفز منفردا، إذ فاز الجمهوريون في مجلس الشيوخ، وسيواصلون بذلك السيطرة على كل الكونغرس الأميركي مما يؤمن أغلبية برلمانية للرئيس المنتخب، وبهذه السيطرة على البيت الأبيض والسلطة التشريعية سيتمكن الجمهوريون من وقف إصلاحات الرئيس باراك أوباما وخصوصا الإصلاح المتعلق بالضمان الصحي الذي يسمى «اوباماكير»، وربما سيفعلون ماهو أكثر من ذلك.
يطرح ترامب حلولا بسيطة لكل المشاكل المعقدة، لذلك تمكن من الوصول للأميركي البسيط الذي يبحث عن فرصة عمل، والذي يهتم بشؤونه الداخلية أكثر من اهتمامه بالقضايا الدولية الشائكة.
لقد تمكن ترامب من النفاذ إلى قلب هذا الناخب وفاز بصوته، عبر التركيز في كل خطاباته العنيفة على مشاعر الإحباط وانعدام الأمن لدى الأميركيين الذين تضرروا من العولمة، لقد أصبح ترامب الأمل في التغيير بالنسبة إلى ملايين منهم.
ساهم ترامب في انقسام حزب جمهوري يواجه صعوبات في فهم ناخبيه، ويعجز عن احتواء التيار الشعبوي، وهو أكثر من أي زعيم في الحزب الجمهوري نجح في تفهم مزاج وغضب قسم من الشعب الأميركي وعلى هذه الأسس بنى فوزه.
الذين تمنوا فوز كلينتون لديهم الكثير من المبررات، وهي تختلف اختلافا جذريا فيما بينها، فدوافع الأوروبيين غير دوافع اللاتينيين، غير دوافع العرب.
دعونا نبدأ من أنفسنا كعرب، هل نحن فعلا أمام خسارة كبيرة؟.
لا يمكن الحديث بهذا المنطق، وما قاله ترامب خلال حملته الانتخابية عن المسلمين، تراجع عنه في أول كلمة بعد فوزه: «سأكون رئيسا لكل الأميركيين»، وكل الأميركيين تعني المسلمين والمسيحيين والبيض ومن هم من أصول أفريقية أو لاتينية.. وغيرهم.
سمعناه أيضا يؤكد امتنانه لمنافسته: «هيلاري عملت لفترة طويلة وبشكل حثيث والولايات المتحدة تشعر بالامتنان عن خدماتها». وكنا سمعنا جميعا ما قاله خلال إحدى المناظرات عندما توعد بسجنها..!
الحملة الانتخابية وما يقال فيها شيء، وتولي المنصب شيء آخر، نحن اليوم أمام الحقيقة وليست الحلم
وهو أمر يدركه ترامب أكثر من أي شخص آخر.
المنطق يستدعي عدم استباق الأمور، وإذا أردنا أن نكون منصفين، فإن علينا ألا نعقد أي مقارنة ما بين ترامب وكلينتون، فهذه الأخيرة لم تصل إلى الرئاسة ولم تمارس مهامها، وهكذا فإن المنطق يفرض علينا أن نقارن السيد ترامب بالرئيس أوباما.
إذا اتفقنا على ذلك فإن ما قدمه أوباما لنا كان خليطا من الإحباط والخيبة، وباستثناء حقيقة أنه كان خطيبا مفوها، فإنه لم يفعل أي شيء آخر لمشكلات المنطقة سوى أنه زادها تعقيدا، وعندما ننظر إلى ترامب اليوم فإننا لا نعرف كيف يمكن أن يعقّدها أكثر مما هي عليه.
بالنسبة للعالم العربي فإن الرئيس أوباما هو الأسوأ، بتردده وتقاعسه، فقد انتهت ولايته وما زالت يده على الزناد كما قالها في ذات يوم مهددا نظام الأسد، وعندما نتأمل ما نعاني منه، نجد أن المشكلة لا تتعلق بالقوى الإقليمية والدولية التي باتت لاعبا رئيسيا في المنطقة، وإنما في الفراغ الذي تسبب به وسمح لهذه القوى بالتقدم من خلاله.
المدهش أو المذهل أو اللافت، سمها ما شئت، أن هناك صدمة وتوجسا لدى المسلمين جميعا، سنة وشيعة، وهذا له ما يبرره عطفا على ما قاله خلال حملته الانتخابية، وطالما الأمر على هذا النحو من سيكون المتضرر من وصوله إلى الرئاسة؟.
السؤال أيضا مبكر لأوانه، لكن المؤكد هو أن الوقت حان من أجل إيجاد حلول تراعي مصالحنا، وتنطلق من الإرث الذي يجمعنا، وطالما الأمر كذلك فإن انتخاب ترامب ربما يشكل فرصة تاريخية لإدراك الكثير من الحقائق، ومن أهمها السلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وهي المهمة التي عجز عنها جميع الرؤساء الأميركيين!
المراهنة على كلينتون أو ترامب لا طائل من ورائها، إذ أن المصالح هي التي تحكم الدول، وبالنسبة لنا كعرب لم نفكر يوما بطريقة ملائمة، لذلك كانت رهاناتنا خاسرة دائما، والآن فقط ربما تكون لدينا فرصة مناسبة للتفكير بطريقة مختلفة تبعا لما نراه مصلحة لنا.
ترامب الرئيس غير ترامب المرشح، وإذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن الولايات المتحدة هي دولة مؤسسات، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فإن هذه المؤسسات لن تنجرف في توجه شعبوي من أي نوع، وقد رأينا ذلك جليا خلال الحملة الانتخابية، الأمر الذي سيفرض على ترامب الرئيس مجموعة من الخيارات المختلفة، بما في ذلك الحفاظ على استراتيجية تراعي مصالح بلاده وعلاقاتها وتحدياتها الدولية.
الشيء المؤكد هو أن علينا التريث قبل إطلاق الأحكام لنعرف أسماء فريق ترامب، ففي نهاية المطاف لن يحكم ترامب وحده ولن يدير دفة السياسة والاقتصاد والصحة والتعليم بمعزل عن خبراء سوف تكون لهم الكلمة الحقيقية في هذه القضايا.
بالنسبة للبعض فإن وصول ترامب للبيت الأبيض
«يوم أسود» وخبر سيئ، لكن هناك خبرا جيدا بالمقابل يتمثل في رحيل الرئيس أوباما!
أسوأ ما يؤخذ على ترامب هو خطاب الكراهية، فقد أثبت أنه يمكن استخدام التعصب والعنصرية، وأظهر أنه من الممكن تجنيد أصحاب نظريات المؤامرة المتطرفين والعنصريين كحلفاء أقوياء دون تنفير الناخبين الجمهوريين العاديين، وهذا يعود أساسا إلى القلق الذي يساور جميع الأميركيين حول مستقبلهم الاقتصادي بعد تراجع قيمة أجور العاملين خلال السنوات الماضية، وهكذا فإن مساعي ترامب سوف تتركز على الإصلاح الاقتصادي وإعادة توطين الصناعات التي هاجرت نحو الصين والمكسيك وغيرهما، لذلك اقترع الأميركيون للمرشح الجمهوري بقوة وهذا أمر طبيعي تماما.
لقد وعد بـ «أميركا قوية»، وهذا يعني اقتصادا أقوى وعلاقات دولية أقوى أيضا، ومثل هذا الأمر لا يمكن أن يتم بمعزل عن الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة وفي مقدمتهم دول الاتحاد الأوروبي، والدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، ما يعني بأن التريث يجب أن يكون سيد الموقف قبل إطلاق الأحكام، وقبل تكرار التجربة المؤلمة مع الرئيس أوباما الذي استبشر العالم به خيرا، ومنحه جائزة نوبل للسلام دون أن يستحقها.
في أول «تغريدة» له بعد فوزه، كتب ترامب «يا لها من امسية رائعة ومهمة! إن الرجال والنساء المنسيين لن يبقوا كذلك بعد الآن، سنتحد كما لم يحصل سابقا».
هذه الرسالة التصالحية من رجل الأعمال المعتاد على توجيه الانتقادات والهجمات اللاذعة من كل الأنواع على حسابه في تويتر، أعاد نشرها 20 ألف شخص ونالت اكثر من 40 ألف تعليق إيجابي..
إذا كان ذلك حدث في بضع دقائق
فدعونا نكب التحليلات وننتظر الحقائق.