قال المأمون: واللهِ إني لأستلذُ العفو حتى أخاف أن لا أؤجر عليه!
ومن قصص عفوه وحلمه، أنه كان جالساً ذات يومٍ وعنده ولاته ووزراؤه، فنادى على خادمه فلم يجبه، ثم نادى عليه ثانية فلم يجبه، ثم نادى ثالثة فخرج الخادم وبيده قطعة خبز وقال متأففًا: ما هذا القصر الذي لا يستطيع فيه خادم أن يأكل لقمته! فنظر المأمون إلى الأرض وقبض على لحيته، فغطى بعض الحاضرين رؤوسهم خشية أن ينالهم شيء من دم الخادم! ولكن المأمون رفع رأسه وقال: إنّ الملوك إذا حسُنت أخلاقها ساءت أخلاق عبيدها، وإذا ساءت أخلاقها حسنت أخلاق عبيدها، وإنّا قوم لا نشتري حُسنَ أخلاق عبيدنا بسوء أخلاقنا!
المأمون أحد أعظم الخلفاء العباسيين، كان رجل دولةٍ بامتياز، مُحب للعلم والعلماء، عاشق للكتب والأدباء، في عهده تمَّ اختراع الإسطرلاب وحساب محيط الأرض بدقة، وفي عهده كان من يُترجم كتاباً يحصل على وزنه ذهبًا! ولأنه كما تقول جدتي: «الزين ما يكمل» كان المأمون على عقيدة المعتزلة، وفي عهده تمّ جلد إمام السّنة والجماعة أحمد بن حنبل! وعلى يديه كذلك دم أخيه الأمين، ولكن لله ثم للتاريخ أن الأمين هو الذي بدأه الغدر، فقد أخذ أبوهما الرشيد منهما العهد عند الكعبة أن لا يقتتلا، وأن يكون الأمين خليفة والمأمون وليًا للعهد، ولكن الأمين عزله من ولاية العهد مستغلًا وجوده في خرسان، فأخذ المأمون البيعة من أهلها وعاد إلى بغداد وقتل الأمين!
وبالعودة من المقولة إلى القائل، فقد يتصرف الناس في مواقف على عكس ما هي طبائعهم التي عُرفوا بها، فترى الرقيق يشتد كما أبو بكر يوم الردة، وترى الصنديد يضعف كما عمر يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم! فلا هذا يُلغي رقة أبي بكر ولا ذاك يلغي شدة عمر، كذلك لا يلغي ذاك حلم المأمون وعفوه!
إذا طمع أحد بعفوك فلأنه علم طيبة قلبك، سهل جداً أن يخافك من حولك، الصعب هو أن تفرض احترامك دون سيف! فالعنف يجعلك مخشيًا في حضورك ملعونًا في غيابك، ولكن اللين يجعلك محترمًا في حضورك، محفوظًا في غيابك، فلينوا تكثر أغصانكم، واعفوا تُقدّروا، الرجل من يُطوع امرأته بقلبه لا بسوطه، والأب من يُربي لا من يجلد، والزوجة من تكون مع زوجها على الأيام لا مع الأيام عليه، والحماة من تكون أمًا ثانية لا زوجًا ثانيًا!
بقلم : أدهم شرقاوي
ومن قصص عفوه وحلمه، أنه كان جالساً ذات يومٍ وعنده ولاته ووزراؤه، فنادى على خادمه فلم يجبه، ثم نادى عليه ثانية فلم يجبه، ثم نادى ثالثة فخرج الخادم وبيده قطعة خبز وقال متأففًا: ما هذا القصر الذي لا يستطيع فيه خادم أن يأكل لقمته! فنظر المأمون إلى الأرض وقبض على لحيته، فغطى بعض الحاضرين رؤوسهم خشية أن ينالهم شيء من دم الخادم! ولكن المأمون رفع رأسه وقال: إنّ الملوك إذا حسُنت أخلاقها ساءت أخلاق عبيدها، وإذا ساءت أخلاقها حسنت أخلاق عبيدها، وإنّا قوم لا نشتري حُسنَ أخلاق عبيدنا بسوء أخلاقنا!
المأمون أحد أعظم الخلفاء العباسيين، كان رجل دولةٍ بامتياز، مُحب للعلم والعلماء، عاشق للكتب والأدباء، في عهده تمَّ اختراع الإسطرلاب وحساب محيط الأرض بدقة، وفي عهده كان من يُترجم كتاباً يحصل على وزنه ذهبًا! ولأنه كما تقول جدتي: «الزين ما يكمل» كان المأمون على عقيدة المعتزلة، وفي عهده تمّ جلد إمام السّنة والجماعة أحمد بن حنبل! وعلى يديه كذلك دم أخيه الأمين، ولكن لله ثم للتاريخ أن الأمين هو الذي بدأه الغدر، فقد أخذ أبوهما الرشيد منهما العهد عند الكعبة أن لا يقتتلا، وأن يكون الأمين خليفة والمأمون وليًا للعهد، ولكن الأمين عزله من ولاية العهد مستغلًا وجوده في خرسان، فأخذ المأمون البيعة من أهلها وعاد إلى بغداد وقتل الأمين!
وبالعودة من المقولة إلى القائل، فقد يتصرف الناس في مواقف على عكس ما هي طبائعهم التي عُرفوا بها، فترى الرقيق يشتد كما أبو بكر يوم الردة، وترى الصنديد يضعف كما عمر يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم! فلا هذا يُلغي رقة أبي بكر ولا ذاك يلغي شدة عمر، كذلك لا يلغي ذاك حلم المأمون وعفوه!
إذا طمع أحد بعفوك فلأنه علم طيبة قلبك، سهل جداً أن يخافك من حولك، الصعب هو أن تفرض احترامك دون سيف! فالعنف يجعلك مخشيًا في حضورك ملعونًا في غيابك، ولكن اللين يجعلك محترمًا في حضورك، محفوظًا في غيابك، فلينوا تكثر أغصانكم، واعفوا تُقدّروا، الرجل من يُطوع امرأته بقلبه لا بسوطه، والأب من يُربي لا من يجلد، والزوجة من تكون مع زوجها على الأيام لا مع الأيام عليه، والحماة من تكون أمًا ثانية لا زوجًا ثانيًا!
بقلم : أدهم شرقاوي