جاء اجتماع مدينة سرت الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح بعد فشل رئيس الحكومة الليبية فتحي باشاغا في الدخول إلى العاصمة طرابلس وممارسة مهامه منها، ولهذا دلالته المهمة، فقد انتهى الموقف برئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة المكلفة من قبله باعتماد سرت كمقر للحكومة.. إلا أن تثبيت مقر الحكومة والتعبئة له ليس هو مربط الفرس والغاية الأساسية من الاجتماع، فالغرض الأساسي هو بعث الروح في الحكومة التي لم تلق حماسا وتأييدا حتى في مناطق سيطرة البرلمان والجيش التابع له الذي أعلن الناطق باسمه دعم الحكومة بعد ساعات فقط من منحها الثقة، ذلك أن الحكومة واجهت الرفض من المجلس التسييري لبلدية القبة، مسقط رأس عقيلة صالح، وانداح الانتقاد ليعم مناطق عدة في الشرق، وصدحت رقاب الشعراء مستهجنة استبدال حكومة الوحدة الوطنية بالحكومة الليبية. التحديات أمام الحكومة الليبية المكلفة من قبل مجلس النواب لم تقتصر على ضعف التأييد الشعبي أو تجاهل المجتمع الدولي لها، فالتحدي الكبير، الذي يأتي تبعا لضعف التأييد والدعم الداخلي والخارجي، هو الافتقار إلى مقومات السلطة وهي الاستحواذ على القرار الأمني والعسكري والتحكم في إدارة المال العام، جباية وإنفاقا. محافظ المصرف المركزي لم يستجب لتوجهات مجلس النواب بقيادة رئيسه عقيلة صالح ولم يقم بتمكين الحكومة التي كلفها من خزانة الدولة، ومن المؤكد أن موقف المحافظ لم يتأثر فقط بالنزاع القديم المتجدد مع البرلمان ورئاسته، بل إنه يستند على تأييد دولي في عدم تعاطيه الإيجابي مع حكومة باشاغا.بعد أيام قليلة سيجتمع مجلس النواب بخصوص الميزانية التي اقترحتها الحكومة الليبية، ومن المتوقع إقرارها، وفي حال وافق عدد من أعضاء مجلس إدارة المصرف المركزي على قرارات سرت، ووافق رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، الذي كان محل ثناء عقيلة صالح، على إحالة إيرادات النفط على حساب يوقع عليه الأعضاء أو من يخولونه بالخصوص، فإن عقيلة صالح وفتحي باشاغا سيفرضان أمرا واقعا تدريجيا، فمن يملك المال يملك السلطة والنفوذ.من وقف -ولا يزال- أمام خطط طبرق والرجمة للتحكم في سلطة إدارة المال العام هو المجتمع الدولي، ورأس الحربة منه الولايات المتحدة الأميركية، وعندما ترفض دول فاعلة ومنظمات دولية مختصة ونافذة مثل صندق النقد الدولي، سياسة طبرق والرجمة بخصوص المصرف المركزي، فستكون النتيجة مماثلة لقرار مجلس النواب إقالة الكبير وتعيين الشكري بديلا عنه.عقيلة صالح لا يخسر شيئا بمسعاه تمكين الحكومة الليبية من سلطة المال، فلو نجح فهي غاية المنى، وفي أسوأ الأحوال هي ورقة ضغط تفيد في حوارات القاهرة، وهنا أؤكد على أن طبرق والرجمة هما المتحكمان دائما في إدارة الصراع وتحريك أدواته. عربي 21