+ A
A -
إذا استمرت «الغمة» على ذاكرة الأمة، مع استمرار الهيمنة على مواردها، وأرضها، واقتصادها، غائبة، ففي ذاكرة الأمة مجمع الحكمة ومستودع الضمير، وفيها تلتقي «ارادة الأمة»، فإرادة هذه الأمة تحت «غمة» الذاكرة، وهي في سبات عميق، وأنت يا حائط، يا شارع، يا إنسان تعرفون كيف ومتى بدأنا السبات.
قلت ذلك في «ثرثرة» مع جدران مكتبي، وأنا أقلب حالة الأمة، وكثيرا ما أكتشف نفسي أتحدث مع نفسي وللجدران من حولي، أقول لها لا شيء، هو ليس أكثر من ثرثرة، وأزعم أنني قادر على الثرثرة و«البربرة» وسعادتي كبيرة عندما أستطيع تحويل الثرثرة إلى مقالة.. فكل مقالات الكتاب ثرثرة، وبربرة، لذلك تذهب مع ارتداد الجدران إلى لا شيء.. أما متى تتحول الثرثرة إلى كلام نافع ومفيد؟!.. عندما تذهب «الغمة» عن ذاكرة هذه الأمة، ومتى تذهب؟.. ففي الإجابة الآن ثرثرة ليس أكثر، ولماذا ثرثرة؟! فهذه حقيقة أزعم أنني قادر على كشفها.
في «ذاكرة الأمة» غابت الحكمة، وغاب الضمير، وغابت إرادة الأمة فلقد تقبلنا كأمة عربية هيمنة «الباشا تركي» على ذاكرتنا، أكثر من أربعة قرون، وقد كان البيت الواحد والأسرة الواحدة مقسومة إلى قسمين قسم مع «الباشا تركي» وقسم مع «البيك العربي» وبقينا على هذه الحال إلى أن جاء «الخواجة» البريطاني في مطلع القرن الذي مضى، وانقسم البيت إلى ثلاثة أقسام، قسم مع «الباشا تركي» وآخر مع «الخواجة» البريطاني- أو الفرنساوي، والثالث مع «البيك العربي» وبقينا على هذه الحال حتى انتصرت إرادة الأمة في بعض أجزاء الأمة، وسقطت عروش موالية للباشا تركي، وعروش موالية «للخواجة» وزرعت إسرائيل وجاء «الخواجة» الأميركي وتحولت القلوب، وتوزعت إرادة الأمة، قسم مع الخواجة وآخر مع لا رأي له وثالث مع قائد إرادة الأمة، وفي مرحلة لاحقة انتصر الخواجة، والمزروعة، والموالي العربي للخواجة. قائد البحث عن «إرادة الأمة» أصيب بنوبة قلبية، وهو يلهث تعبا في البحث عن آلية تجمع «إرادة الأمة» ومنذ النوبة القلبية التي أصابت إرادة الأمة بدأ الانهيار من جديد ليصبح العربي بـ «22» ذاكرة، وبـ «22» إرادة، وبـ «22» هوى، فكانت الإقليمية الضيقة، وكل يحاول المحافظة على حدوده، وغابت إرادة الأمة وأصيبت ذاكرة الأمة «بالغمة» أما متى تنقشع هذه الغمة، فأزعم أنني قادر على الكشف عن الخافي من هذا الأمر.. لكن «الديك» يصيح وانقشع الظلام، وبوادر الفجر تسللت إلى مكتبي، ومع الفجر تحلو الثرثرة مع العصافير، خرجت إلى الفناء بالصدفة كان «البلبل» يحمل بين شقي منقاره رسالة، هي ليست لي، وإنما وقف ليستريح في طريقه إلى عدة عواصم ليلقي برسائل مماثلة إلى ملوكها تدعوهم إلى أن يذهبوا لعاصمة «الخواجة» صاغرين معلنين تمردهم على ما جاء به في حملته الانتخابية ويتنافي مع «إرادة الأمة» كان البلبل حزينا.. ثرثرث معه كثيرا، وقلت له لا تخف عقاب «الخواجة» فجدك كان رسولا لنبي جاء بالحق، فحمل الأمانة وسلم الرسالة إلى بلقيس بأدب، وانتظر جوابها، فذهبت إلى سليمان صاغرة معلنة إسلامها.. ألقى البلبل بالرسالة إليَّ وقال: قررت عدم العودة للعاصمة والأمانة في عنقك، فتحت الرسالة.. وفي الرسالة ترغيب وترهيب، ووعد ووعيد، لكل من يحاول إزالة الغمة عن ذاكرة الأمة، وتحذير لكل من يتسلم الرسالة ولم يأت صاغرا، شعرت بالرهبة، عدت إلى جدران مكتبي، وثرثرت مع شجرة تسللت أغصانها عبر النافذة، وحملتها الأمانة، لتنقلها للعصافير التي هي الأخرى مصابة «بغمة».
جلست.. وقلت: ثرثرة.. بربرة، فلن تصل الرسالة لأحد..
آخر نبضة
همسة صادقة..كلمة حارقة..حروف نافرة، تعيد العقل إلى مداره!
بقلم : سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
13/11/2016
1020