إذا حَكَّمْنا العقلَ والمنطقَ، فإنهما سيقولان: لا توجَد مباراةُ كُرَةٍ أكثر حرارة وحماسا مما يجري في ملعب السياسة. بين المهاجِمين والمدافِعين يسطع نَجْمُ الهدَّاف الذي لا يمكن لِقَدَمِه إلا أن تُصيبَ المرمى، وما أجمل مُتعةَ مباراة الكرة السياسية في الملعب الأميركي الذي يجتذب إليه عُشَّاقا لا يمتُّون إلى جمهور الساحرة المستديرة بصِلَةٍ! يكفي أن تَعْرِفَ اسمَ الهدَّاف هنالك لتُسارِعَ إلى متابَعة أحداث اللعبة، فما بالك إن كان الهدَّاف بحجم مَلِك العقارات دونالد ترامب والمنافِسة الشَّرِسَة هيلاري كلينتون، بينما خَلَّفَ وراءه المعتَزِل مَلِك الملعب أوباما تاريخا من السكون في الوقت الذي كان على قدمه التَّدَخُّل بحزم.
قراءة سريعة في المشهد الكُرَوي السياسي الأميركي تَرْسم أكثر من علامة تعجُّب واستفهام حول ما إذا كان ترامب الذي نجح في تسديد أهدافه سيعمل على إبادة الجمهور المتفرج. لقد تَطَلَّعَتْ أنظارُ العالَم بشوقٍ إلى نتائج المباراة، فالتجربة الأميركية كُرَتُها السياسية فريدة من نوعها، وتختلف البصمةُ فيها من هدَّاف إلى هدَّاف.
مَلِك الملعب الأميركي سابقا أَكَّدَ أنه لاعب فاشل، اكتفى بالمشاهَدة والتصفيق في أحسن الأحوال كما صَفَّقَ لزواج المثليين غاضّاً الطرف عن طلاقٍ كئيب كان يحصل بين شعوبٍ وحُكَّامٍ رسموا من الدماء لوحاتٍ طبيعية.
هدَّافون أميركيون آخرون استماتوا للوصول إلى مراميهم. ابراهام لنكولن مثلا (لمن يجهل تاريخَه) تَدَحْرَجَ من فشلٍ ذريع إلى آخَر، من انهيار عصبي إلى اكتئاب، ظَلَّ يُكَابِر ويُكَابِر، ويَزْحَفُ صُعودا على سلالم الترشيح للمجالس والمقاعد متخطيا عقباتِ الخيبات إلى أن وَضَعَ قدميه على سطح البيت الأبيض مُفْلِحاً في القبض على فُرْصة لقيادة أقوى دولة في العالَم قبل أن يُقَزِّمَها غيره بمواقفه المحايِدة وصمته المميت وعدم تدخله في الوقت المناسِب وكأنه يرتفع فوق بساط الحُكْم ليتأمل شكلَ الأرض ومخلوقاتُها بعضهم يطحنُ البعضَ، أو كأنه من كوكب آخر لا يُغْريه التدخُّلُ لتعديل دوران كوكبنا.
الهدَّاف الْمُتَوَّج في المباراة السياسية الأخيرة على الملعب الأميركي يتوجَّسُ العالَمُ خيفةً من الشرّ المتطاير من عينيه وهو أكثر خلق الله كراهية للمسلمين، في حين وَجَدْنَا أن خصمَه هيلاري بكل الثقة حاولتْ إزاحَتَه عن طريقها وعن طريقنا دون جدوى نحن الذين نتساءل: هل سننقرض تباعا مع تحكُّم دونالد في دوران الأرض لَمَّا سدَّد هدفا لا يخطئ المرمى؟! هل سيُبيد المسلمين بدَبَّابَة كراهيته لهم كما يُبيد ذُبَابَة؟! هل سيبقى حُلم الشباب العربي (والحال هذه) أن يرتموا في حضن ماماهم أميركا؟! إذا كان النصف الأكثر عملا في دماغ المرأة هو المسؤول عن العاطفة، ألَمْ تكن هيلاري أرحم أم أننا لم نُصَلِّ بما فيه الكفاية ليكون الهدَف المسدَّد من توقيع قَدَم هيلاري؟! هل يكون دونالد «لحظة سوداء» في تاريخنا أكثر مما هو في تاريخ الولايات المتحدة كما ذهب إلى ذلك إدوارد سنودن المنفي في روسيا بسبب كشفه لبرنامج تجسس أميركي يهمّ العالَم؟!
سؤال أخير: دونالد وداعش، مَنْ سيُرَبِّي مَنْ؟!
نَافِذَةُ الرُّوح:
»أيّهم أنا: الإنسان الكُرَة، أم الإنسان المرمى، أم الإنسان القَدَم؟! اِتَّفَقَ عقلي وقلبي على ألاَّ يَتَّفِقَا».
بقلم : د. سعاد درير