لا تحلو الحياة من غير وجود الأحبة، ولا يستقيم العيش من دون حضور أصدقاء، ولا يمكن أن نستمر ونواصل العيش بسعادة وهناء، ما دمنا نسكن في أعالي برجنا العاجي بعيداً عن الآخرين الذين من المفترض أن نشاركهم حياتنا. يقول المثل: «الدنيا بلا ناس ما تنداس».

إن الدافع الفطري للتماهي مع الآخر، هو ما دفع الإنسان منذ فجر تاريخ البشرية وحتى يومنا الحاضر إلى الاندماج مع أقرانه، ابتداء من مجموعات صغيرة حيث كانت أعداد الناس في البدايات تعد على أصابع اليد، وصولاً إلى أن يصبح جزءاً من مجتمع مترامي الأطراف يضم آلاف الأفراد أو الملايين منهم حتى، إلى جانب غريزته الفطرية التي كانت وما تزال سبباً رئيسيّاً يحثه على البحث عن شريك حياة بغية تأسيس أسرة متحابة يأنس بالعيش معها طيلة الدهر، بدلاً من البقاء محبوساً بين جدران الوحدة الأسمنتية حتى آخر العمر؛ فالإنسان خُلق اجتماعيّاً بطبعه، يكره الوحدة ويسعد بالقرب من الناس.

ومع اختلاطنا اليومي المتكرر بالمعارف والأقرباء وزملاء العمل ومن شاكلهم، نصبح على تماسّ مباشر معهم، وذلك عن طريق أداة التواصل؛ ألا وهي اللغة القائمة على الكلمات. ولأننا نتواصل بالكلام خلال تواصلنا مع الغير، يغدو لكلامنا معانٍ ودلالات قد يفسرها البعض عكس ما نقصده.

ففي بعض الأحيان لا تفهم فئة من الناس ما ندلي به من قول، ويؤولونه بالشكل الذي يحلو لهم أو حسب مقاصدهم ونواياهم ومصالحهم. في هذه الحالة نحن لسنا مسؤولين عن الكيفية التي يتم بها تفسير كلامنا من قبلهم، وعلينا أن نعي جيداً وقتها أننا مهما حاولنا أن نوضح الحقيقة ونبينها فسيبقى هؤلاء مصرين على سوء ظنهم بنا أو سوء فهمهم لنوايانا.

فإذا واجهت مثل هذه المواقف في حياتك والتي لا بد أن تواجهك لا محالة، فالزم الصمت التام حيث لا طائل من الشرح والتبرير. واعلم أنك حتى لو لم تنبس ببنت شفة، فحتى سكوتك يمكن أن يُفسَّر في غير محله ونقيض ما تتوقع؛ لأن بعض الأشخاص يسيئون الفهم بطبعهم ويؤولون الكلام على هواهم، مما يعني أن بعض العلاقات الاجتماعية التي لا بد أن ندخل فيها في مرحلة ما من حياتنا ستكون متعبة بحق، إذا لم نضع لها حدّاً.

كما أن الطاقة التي تبذلها في سبيل تبرير كلامك وإثبات براءتك لن تجدي نفعاً مع أمثال هؤلاء ممن يسيئون الظن بغيرهم، بل ستزيد تعنتهم وإصراهم على رأيهم ووجهة نظرهم وأحكامهم المطلقة التي يطلقونها على الكل بلا استثناء؛ لأنك في نظرهم متهم حتى تثبت براءتك، بل وأكثر من ذلك متهم ولن يثبُت عكس ذلك مهما تكبدت من جهد وعناء. هذا طبعهم، وهكذا ينظرون إلى جميع من حولهم طوال حياتهم.

لذلك فالأولى بنا الابتعاد عن مصادقة من لا يفهموننا ولا يستوعبون كلماتنا، وعدم الدخول في علاقة مع من يفسرون ما ندلي به من قول بطريقة خاطئة؛ لأن التعامل معهم صعب ولا يفيدنا بشيء بل يستنزف طاقاتنا الفكرية والنفسية والجسدية. كن فقط مع من يحبك ويقدرك فيفهمك، مع من يدرك ما تقصده من كلامك بل ويعرف بنظرة من عينيك ماذا تريد؛ لأنه لن يسيء الظن بك أبداً.

فيا من اتخذناكم أصحاباً وأحباباً، وأعطيناكم جزءاً من قلوبنا وساعات عمرنا، اعلموا أن في الحياة أياماً تمر على الإنسان يشعر فيها أن مجرد رد السلام أمر متعب لأبعد الحدود، فارفقوا بحالنا وبوقتنا، وكونوا شركاء محبة يرافقوننا بسلام، أو اتركونا بسلام.