حط منتخبنا الوطني رحاله بعد مشاركة تاريخية في المونديال لم ترتق لمستوى الطموحات والآمال قياسا بالاستثمارات اللوجستية والجهود التي بذلت في سبيل اعداده لهذا الحدث العالمي طيلة سنين عدة، وهذا ما يمكن ان نصف به هذه المشاركة التي لم تكن محتشمة ولم تكن مخيبة بالدرجة التي تجعله يخجل منها.
خرج العنابي من المونديال من الدور الأول كما كان الحال لعديد من المنتخبات التي سبق لها أن استضافت بطولة كأس العالم على أرضها بعد ان تعرض لثلاث هزائم كشفت ان درب التأهل للأدوار المتقدمة يحتاج لمزيد من العمل والأعوام.
مزيد من العمل وعشرات من السنين تنتظر منتخبنا وكثيرا من المنتخبات الأخرى حتى يفتح المونديال لها أبوابه الكبيرة المؤدية لتحقيق الآمال والطموحات، بيد ان التعلم يبدأ دائما بالعمل والممارسة واكتساب الخبرة والايمان بأن المستحيل لا يوجد في كرة القدم.
مشاركة العنابي ليست كلها سلبية وتحتوي على كثير من الإيجابيات التي ينبغي أن نبني عليها حتى يعود العنابي بقوة ويجلب لنا الأفراح كما فعل في السابق وعلى مستوى بطولات كأس العالم، وهذا من قبيل الممكن والمتاح لأن هذا المنتخب ليس أمامه من الهوامش الا هامش التحسن والتطور طالما أن المشرفين عليه يريدون له خيرا ونحن كلنا ثقة في نواياهم وعملهم.
مقومات ومرتكزات لا بد منها
شفت كرة القدم مرة أخرى أن المونديال ليس بالضرورة للمنتخبات المضيفة، وأنه ليس للمنتخبات التي تشارك فيه للمرة الأولى، وليس للمنتخبات التي لا تملك أندية عالمية وليس للمنتخبات التي تملك قيمة سوقية كبيرة، وليس للمنتخبات التي لا تملك نجوما استثنائيين، وليس للمنتخبات التي لا تملك في تشكيلتها الأساسية حارس مرمى من صفة الحراس في العالم، وليس للمنتخبات التي لا تملك 9 لاعبين على اقل تقدير من اعلى طراز في تشكيلتها الأساسية، وليس للمنتخبات التي لا تمتلك مدربا استثنائيا في فكره وعمله وممارساته.
كل هذه المقومات والمرتكزات والخصائص والصفات والقدرات لا تتوفر في منتخبتنا الوطني ولا في المنتخبات العربية المشاركة في المونديال ولا في المنتخبات الأخرى التي لم تنجح في الوصول إلى مونديال قطر الذي يعيش فترة انتعاش ستعود بالفائدة على كرة القدم القطرية وعلى كرة القدم العالمية.
مرحلة كانت وانتهت بانتهاء المشاركة المونديالية، وكما يحدث في جل المنتخبات فان نهاية مونديال تعني بداية مرحلة أخرى تؤدي لمشاركة مونديالية جدية تأتي للاعبين جدد وبمدربين جدد وبفكر جديد.
خسارة هولندا متوقعة
عندما تحتل المركز 50 عالميا وتواجه المصنف ثامنا، فانه الخيار الوحيد امامك في اغلب الحالات أن تعمل على تفجير مفاجأة مدوية عالميا في مستوى المفاجأة التي فجرها المنتخب السعودي بالاطاحة بمنتخب ميسي. كذلك كان الحال بالنسبة لمنتخبنا الوطني التي خاض المواجهة بشجاعة لم تكن كافية لتحقيق أي نتيجة أفضل من الخسارة. خسارة جاءت بهدفين اثنين وبأداء لم يرتق لما عهدنا عليه منتخبنا الا انها لم تكن خسارة مخجلة ولا بنتيجة عريضة.
العنابي ظهر بمستوى أفضل من المستوى الذي قدمه أمام كل من الاكوادور والسنغال ولعله يعكس مدى ما تعلمه اللاعبون والجهاز الفني من المباراتين السابقتين عطفا على التعديلات التي أجريت على طريقة اللعب وعلى التشكيلة الأساسية وعلى التبديلات التي بلغت 5 للمرة الأولى.
جاءت المباراة في إطار واضح جدا وهو إطار الفارق في القيمة السوقية والقيمة الأدائية والقيمة التاريخية للمنتخبين، ولعل الأرقام التي سنسوقه تفسر بوضوح كبير تفاصيل كثيرة من ذلك الاطار.
تمريرات كثيرة ودقة عالية
اتبع الفريقان أسلوب اللعب المباشر بالتقدم السريع للهجوم دون التقيد بعمليات بناء اللعب المنظم الذي يستغرق فترات زمنية طويلة في منطقة وسط الملعب وعليه فقد كانت الكرة تصل بسرعة من منطقة جزاء إلى منطقة الجزاء الأخرى، وقد تسيد المنتخب الهولندي مجريات اللعب كما كان متوقعا وحقق نسبة استحواذ كبيرة بلغت 63% مقابل 37% للعنابي وحقق 783 تمريرة مقابل 452 لمنتخبنا الوطني مما يعني ان عدد التمريرات التي شهدتها المباراة بلغ 1215 تمريرة وهو كما هائلا من التمرير يمكن تفسيره باللعب المباشر الذي اتبعه المنتخبان بحيث ان المنتخب الذي تضيع الكرة من حوزته يتراجع مباشرة لمناطقه تاركا الكرة والاستحواذ لمنافسه الذي يتناقل الكرة بأريحية كبيرة دون مضايقة كبيرة من المنافس. أسلوب اللعب المباشر مكن المنتخبين من تحقيق نسبة نجاح عالية في التمرير بلغت 92% لدى الهولنديين و82% لدى العنابيين وهذه النسب لم تتحقق في كثير من المباريات الأخرى بالمونديال.
مبالغة في التمريرات
طويلة وعرضيات قليلة
استخدم المنتخبان التمريرات الطويلة كوسيلة للتواصل بين اللاعبين وخاصة منتخبنا الوطني الذي بالغ في استخدامها، فبلغ عددها 69 بلغت نسبة الصحيحة منها 51% في المقابل بلغ عدد تمريرات المنتخب الهولندي الطويلة 35. وبالنسبة للكرات العرضية نجد ان منتخبنا قدم 14 عرضية مقابل 6 عرضيات فقط للمنتخب الهولندي الذي لا يستخدمها كما هو معلوم عملا بخصائص الكرة الهولندية وتقاليدها.
كرات مقطوعة قليلة
بسبب اللعب المباشر
وعلى علاقة بعدد التمريرات القياسي الذي شهدته المباراة فانه من الطبيعي جدا ان يكون عدد قطع الكرات قليلا حيث بلغ 22 في المباراة كلها بواقع 10 لمنتخب هولندا و12 لمنتخبنا الوطني، وفي نفس السياق نجد ان عمليات استخلاص الكرة من قدم المنافس كانت قليلة هي الأخرى حيث بلغت في الاجمال 26 للمنتخبين بواقع 10 لمنتخبنا الوطني و16 لمنتخب هولندا وأما بالنسبة للكرات العالية فقد تساوت كفة المنتخبين بالتفوق في 10 كرات عالية لكل منهما في حين التفوق في الاشتراك على الكرة في المواجهات رجل مقابل رجل كان لصالح لاعبي منتخبنا الذي حقق 41 اشتراكا ناجحا مقابل 37 للهولنديين. ويمكن تفسير قلة الكرات المقطوعة وقلة عمليات استخلاص الكرة بسبب اللعب المباشر الذي جعل مجريات اللعب لا تدور في منطقة وسط الملعب وتدور في منطقة جزاء المنتخبين.
هدفان من «13»
تسديدة هولندية
اذا كانت الأهداف اهم وأجمل ما في كرة القدم فانه من المهم جدا ان نشير إلى انها لا تأتي الا من التسديد الذي يعتبر اهم أسلحة الفوز وتأتي الأرقام للتأكيد على افضلية المنتخب الهولندي في المباراة حيث وجه لاعبوه 13 تسديدة منها 10 من داخل منطقة الجزاء، و4 في إطار المرمى و6 خارجه و3 تم التصدي لها من قبل المدافعين، وعلى الجانب الآخر فان عدد تسديدات منتخبنا كانت اقل بكثير وبلغت 5 فقط؛ 3 منها كانت مؤطرة و2 خارج المرمى وحصل منتخب هولندا على فرصتين ثمينتين واهدر ثالثة وحقق حارس مرماه نوبرت 3 تصديات حاسمة مقابل تصديين اثنين لحارس مرمى منتخبنا مشعل برشم.