الحب.. كلمة تسحر الألباب وتأسر القلوب، والحديث عنه لا ينتهي، فقد بدأ منذ أن خلق الله سبحانه سيدنا آدم وستنا حواء، ومنذ نشأ الخلاف بين هابيل وقابيل على شقيقتهما، وهذا السؤال لا يتوقف، وتجد نفسك عاجزا عن الاجابة اذا جاءك السؤال من ابنك أو ابنتك المقبلين على سن المراهقة، وحتى أتخلص من الاجابة فكثيرا ما أحيل السائل إلى الكتب الجريئة التي تناولت معاني الحب، ولكن اقول وكما عرفه المختصون بأن الحب شعور رقيق وعاطفة، وهو تنظيم ثابت ومعقد لحياة عاطفية. وحين يكون الحب شعورا رقيقا فالحب يكون اكثر عقلانية ونقاء ورقة، وحين يكون عاطفة يصبح حبا معقدا وقويا بصورة سائدة، فالعاطفة كما عرفها العلماء بانها جهاز منتظم من انفعالات ورغبات. وتتحول هذه العاطفة إلى جهاز ميكانيزمي للتحكم.
سألت جدتي في طفولتي ما هو الحب يا جدتي ورغم انها كانت تجاوزت السبعين، فقد ضحكت بملء شدقيها، وقالت بعد تأوه: الله يرحم جدك، لقد ملكني بعاطفته وأصبحت عبدة له ولم أفكر برجل آخر غيره حتى بعد رحيله وأنا صبية، وأضافت تلك الجدة المجربة: الحب يا ولدي جميل اذا كان المحب رقيقا، فبهذا الحب يكون عقلانيا ويعرف كيف يتصرف مع محبوبه، أما إذا كان المحب عاطفيا، فالحب لا يدوم لأنه يعني التملك الذاتي ومن أراد التملك فإنه يفقد ما يريد أن يتملكه بسرعة حيث تطغى الانانية المولدة للاحتكار.
السؤال نفسه وجهته لوالدتي- رحمها الله، فقالت: ليس أجمل ما يكون من الحب عندما يكون فنا، وتوقفت امام الاجابة لأعرف نوعية الفن الذي تقصد والدتي. فذهبت بي إلى حالة وطنية، فقالت: عندما يحب الإنسان امرأة يحبها بمشاعر رقيقة، ولكن حين يحب وطنه فليحبه بقلبه وعقله، فليس هناك عاطفة اجمل من تلك العاطفة التي توجه للوطن ومن أجلها يذهب الشهداء.
والدتي عاشت شبابها في ثورة العام 1936 في فلسطين وتأثرت بالثوار الذين قاوموا الاستعمار البريطاني. وحالها كحال جميع الأمهات اللواتي ورثن العاطفة لأبنائهن من اجل الوطن.
ضحكت كثيرا وأنا أستمع لشاعر وهو يتحدث عن رقته تجاه المرأة ولكن حين تحدث عن عاطفته في رسالته إلى ابنه والتي بث فيها الحب للوطن، بكيت، فالعاطفة تملك للذات وفي كلتا الحالتين اذا توجهت للحبيب يعني تملكه واذا توجهت للوطن فهي كذلك.
وكثير من فتياتنا وفتياننا يخسرون أحباءهم لانعدام الشعور الرقيق في التعامل مع المحبوب وتوجيه كل طاقة الحب إلى العاطفة بكل ما فيها من رغبات ونزعات تدفع بالأحبة للهروب بعد أن تتفرغ شحنات العاطفة اللاعقلانية في لحظات الغياب عن الوعي التي تستحضرها العاطفة وتجيز لغير المباح أن يسود.
ومن يرد أن يحافظ على مشاعر حبه فعليه أن يتعلم كيف يكون حبه فنا، ولكن وفي ظل التحرج في الحديث عن الحب، يبقى غريزة فطرية نؤديها كما نأكل وننام لنجد انفسنا اننا لا نعرف عن هذا الشعور الجميل اكثر مما نعرف عن لغة ما!
نبضة أخيرة
أكتب اليك من الدوحة.. وشغف لأن أراك تشعين في استاد 2022.
بقلم : سمير البرغوثي
سألت جدتي في طفولتي ما هو الحب يا جدتي ورغم انها كانت تجاوزت السبعين، فقد ضحكت بملء شدقيها، وقالت بعد تأوه: الله يرحم جدك، لقد ملكني بعاطفته وأصبحت عبدة له ولم أفكر برجل آخر غيره حتى بعد رحيله وأنا صبية، وأضافت تلك الجدة المجربة: الحب يا ولدي جميل اذا كان المحب رقيقا، فبهذا الحب يكون عقلانيا ويعرف كيف يتصرف مع محبوبه، أما إذا كان المحب عاطفيا، فالحب لا يدوم لأنه يعني التملك الذاتي ومن أراد التملك فإنه يفقد ما يريد أن يتملكه بسرعة حيث تطغى الانانية المولدة للاحتكار.
السؤال نفسه وجهته لوالدتي- رحمها الله، فقالت: ليس أجمل ما يكون من الحب عندما يكون فنا، وتوقفت امام الاجابة لأعرف نوعية الفن الذي تقصد والدتي. فذهبت بي إلى حالة وطنية، فقالت: عندما يحب الإنسان امرأة يحبها بمشاعر رقيقة، ولكن حين يحب وطنه فليحبه بقلبه وعقله، فليس هناك عاطفة اجمل من تلك العاطفة التي توجه للوطن ومن أجلها يذهب الشهداء.
والدتي عاشت شبابها في ثورة العام 1936 في فلسطين وتأثرت بالثوار الذين قاوموا الاستعمار البريطاني. وحالها كحال جميع الأمهات اللواتي ورثن العاطفة لأبنائهن من اجل الوطن.
ضحكت كثيرا وأنا أستمع لشاعر وهو يتحدث عن رقته تجاه المرأة ولكن حين تحدث عن عاطفته في رسالته إلى ابنه والتي بث فيها الحب للوطن، بكيت، فالعاطفة تملك للذات وفي كلتا الحالتين اذا توجهت للحبيب يعني تملكه واذا توجهت للوطن فهي كذلك.
وكثير من فتياتنا وفتياننا يخسرون أحباءهم لانعدام الشعور الرقيق في التعامل مع المحبوب وتوجيه كل طاقة الحب إلى العاطفة بكل ما فيها من رغبات ونزعات تدفع بالأحبة للهروب بعد أن تتفرغ شحنات العاطفة اللاعقلانية في لحظات الغياب عن الوعي التي تستحضرها العاطفة وتجيز لغير المباح أن يسود.
ومن يرد أن يحافظ على مشاعر حبه فعليه أن يتعلم كيف يكون حبه فنا، ولكن وفي ظل التحرج في الحديث عن الحب، يبقى غريزة فطرية نؤديها كما نأكل وننام لنجد انفسنا اننا لا نعرف عن هذا الشعور الجميل اكثر مما نعرف عن لغة ما!
نبضة أخيرة
أكتب اليك من الدوحة.. وشغف لأن أراك تشعين في استاد 2022.
بقلم : سمير البرغوثي