+ A
A -
في الساعة الخامسة والنصف مساء الأربعاء الأول من أغسطس 1990 لم يكن يجلس أحد غيري من الزملاء في سكرتارية تحرير جريدة الوطن الكويتية حين أطل حامد الملا الملحق الصحفي العراقي برأسه مخفيا باقي جسده ليسأل «شو اخبار برغوثي» في نفس اللحظة كان جهاز ستكرز وكالة أنباء رويترز في غرفة التقاط الأخبار المجاورة يعطي إشارات عن «خبر عاجل» ليأتي الموظف المختص حاملا الخبر وهو يردد «دخلوا.. دخلوا.. فالجيش العراقي اجتاح العبدلي الحدود الكويتية العراقية- والتي دكتها الدبابات العراقية فباتت أثرا دارسا لم نستطع تحديده ونحن هاربون من ظلم الغزو- كان الزملاء في المطار ينتظرون عودة الشيخ سعد العبد الله ولي العهد رئيس الوزراء الكويتي حينئذ من مفاوضات جدة مع عزت إبراهيم الدوري نائب الرئيس العراقي صدام حسين، قلت للملا: هل تعلم؟ لقد اجتاحت قواتكم الحدود وغدا الخميس ستكون في الدوحة قال: لا لن يحدث، أحنا والكويتيين أهل، اتصلت بالأستاذ يوسف الجلاهمة رقيب المطبوعات الذي كان يراقب كل كلمة تنشر في الصحافة، فقال هذا الخبر غير صحيح.. والشيخ سعد عاد وكان العنوان الرئيس للصحيفة صباح الخميس «لقاء ثان في بغداد لحل الخلاف، وقبل أن تصل الوطن للقراء فجر الخميس 2 أغسطس 1990 كانت القوات العراقية تجتاح الكويت من الشمال إلى الجنوب..
كان يوما رهيبا، انفلت الناس إلى الأسواق يجمعون كل ما وصلت إليه أياديهم من مواد غذائية ودواجن ولحوم وأسماك مجمدة حتى باتت أرفف الجمعيات شبه خالية فالخوف من حصار ومعركة طويلة بات وشيكا..
جلست على شرفة بيتي بالدور الرابع على شارع الغزالي بمنطقة الفروانية أرقب الأوضاع، وأسجل في مفكرة الأيام أهم ما كان جرى ويجري.. وإلى أين سنمضي، كتبت: أقف في طابور انتظار لأشترى ربطة خبز من مخبز الشركة الكويتية للمطاحن التي رأت أهمية الخبز وشكلت لجانًا لإدارة هذه المخابز وتوزيع الخبز، ونحن في الطابور دوى انفجار في مطعم القدس الذي يرتاده الجنود العراقيون لتناول الغداء وتبين أن أحد نشطاء المقاومة الكويتية قد ترك سيارته أمام المطعم ونزل واشترى ساندويشة وغادر ماشيا يرتقب إلى أن انفجرت السيارة فأوقعت قتلى وجرحى وتناثرت أشلاء وشوهدت أمعدة جنود تفجرت وكتبت اليوم بدأت المقاومة، ولم أكن حينها أعلم أن ذلك الغزو كان بداية لإنهاء عراق عظيم ليصبح مستباحا من كل زناة الأرض بما فيه شعبه.
نبضة أخيرة
قوات ودبابات وعساكر فشلوا في احتلال قلبي لكن همسة من طرف عينيها أسقطت مدن جسدي.

بقلم : سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
25/11/2016
1150