روى «ابن القيم» في «مدارج السالكين»، أنه رأى في بعض الطرق بابا قد فتح، وخرج منه صبي يستغيث ويبكي، وأمه خلفه تطرده، حتى إذا خرج، أقفلت الباب في وجهه ودخلت!فذهب الصبي غير بعيد، ثم وقف مفكرا، فلم يجد له مأوى غير البيت الذي طرد منه، فرجع مكسور الخاطر حزينا، فوجد الباب مغلقا، فجلس عند العتبة حتى غلبه النوم!فخرجت أمه، ولما رأته على تلك الحال، لم تملك قلبها عنه، فارتمت عليه، وجعلت تضمه وتقبله وتبكي، وتقول له: يا بني أين تذهب عني، ومن يؤويك سواي، ألم أقل لك لا تخالفني، ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك، والشفقة عليك، وإرادتي لك الخير؟ ثم أخذته ودخلت!ولله المثل الأعلى، والصفات المثلى، وما نحن معه إلا كهذا الطفل مع أمه، ليس له إلا بابها، فإن أغلقت دونه ضاقت عليه الأرض بما رحبت، ولم تعرف قدماه وجهة أخرى، وأنها ما ضيقت عليه قليلا إلا بما كسب وصنع، فلما عاد آوته وضمته وقربته نجيا!كتب ربنا على نفسه الرحمة، فسبحان من لا يلزمه إلا ما كتبه جل في علاه على نفسه، وإنه يرحم بالمصيبة ليقيك ما هو أكبر منها، ألم تر أن السفينة لولا الثقب الذي أحدثه الخضر فيها لسلبت من أصحابها وهي مصدر رزقهم؟!وأنه سبحانه يكدر عليك الدنيا ليصفي لك الآخرة، أما ترى أنه لولا قتل الغلام لما بقي لأبويه دين ولا عقيدة، وكل مصيبة في غير دينك أمرها يسير!وأنه سبحانه يرحم بالمرض، فيكفر به السيئات، ويكسر به نفسا قد أعجبتها قوتها فاجترأت عليه سبحانه، فإذا نزل بها المرض استكانت وضعفت ورجعت!وأنه سبحانه لا يغلق بابه، متى عاد عبده إليه وجد الباب مفتوحا على مصراعيه، يمد يده ليلا ليأتيه مسيء النهار، ويمد يده نهارا ليأتيه مسيء الليل! ما أغناه عنا ولكنه لا يزهد بنا، وما أفقرنا إليه ولكننا نبتعد!ما أقواه بدوننا ولكنه يتوددنا بالنعم، وما أضعفنا بدونه ولكننا نتبغض إليه بالمعاصي!ما أقدره علينا ولكنه يحلم علينا، وما أعجزنا أمامه ولكننا نجترئ عليه!فسبحان من يعاملنا بما هو أهله لا بما نحن أهله!