كان من الأفلام التي شدّتني حتى أنني مع قدمه كلما أُعيد عرضه توقفت مجددا عنده، فيلم THE FUGITIVE أي «الهارب» من بطولة هاريسون فورد وقد كان أول عرض له في 1993.

وهو من الأفلام المستوحاة من أحداث ذات صلة بوقائع حقيقية في الحياة الأميركية، وعلاقة شركات الإقطاع ببرامج الاحتواء السرية، لتحقيق ثروات ضخمة من خلال أعمال خطيرة، بما فيها تسويق منتج العقاقير الطبية المضادة للأوبئة والأمراض.

ويمثل هاريسون فورد دور د. ريتشارد كمبل أحد الأطباء الاختصاصيين الذي لاحظ أن العقار المنتج حديثا لشركة أدوية ضخمة يحمل مواد تسبب مضاعفات خطيرة تنتهي بموت الضحية.

ويبدأ عندها د. كمبل، مع عدد من زملائه الاختصاصيين، رحلة البحث والتوثيق العلمي بتشريح العينات المأخوذة من الضحايا، للتأكد من خطورة هذا العقار، في الوقت الذي تنشط شركة الأدوية لتسويق العقار، وتدّعي سلامته من المضاعفات الجانبية، في ذروة صفقات التعاقد لبيع العقار إلى المؤسسات الصحية المتعددة.

لكن د. ريتشارد كمبل المرصود من جهات سرية، بما فيها بعض زملائه الأطباء، بدأ يتقدم في بحثه ويؤثّر على مستقبل الصفقة، فسعت الشركة عبر جهازها السري إلى تدبير حادثة تقضي على مستقبله، دون أن تُثير الشكوك بالاضطرار إلى قتله، فاغتالت زوجته عند دخوله المسكن ورتبت بالتعاون مع شرطة المدينة المخترقة اتهامه بقتلها.

ولقد أثارت قضية الأوبئة الناشئة، والجدل الطبي القوي المحتدم عليها، إعادة التفكير الرئيسية التي بدأت تنطلق منها الإنسانية الحديثة، بعد حملة توعية منظمة، أضحت فيها ثورة فضاء الاتصال الكبرى وسيلة واسعة تصل إلى كل كوخ في المعمورة.


خلافاً لقدرة الاحتكار السابقة لمؤسسات النفوذ الدولية لما وراء الحدث والصفقات ومحاصرتهم للإعلام، وما أوردتُه في أحداث الفلم ليس المقصود منه إثارة شك في كل دواء، لكنّه يُحرك التفكير في اتجاه مهم، للتوقف عند الحملات العلمية التي تسعى لتبيّن الحقائق حول مخاطر العقارات والمضادات التي تسوّق لهذه الأوبئة أو الأمراض المتعددة.

هناك من لا يحقق الحد الأدنى من متطلبات التشخيص، بل يغضب من المريض، حين يتبين له، أنه قد حصل على معلومات عن مرضه، لغرض التحقق من نظريات العلاج، في ظل الانفتاح المعرفي.

والأمر الآخر الخطير، صناعة تسويق الدواء وصيدلياته، التي تُغرق السوق بكل عقار وتسوّقه دون أي حذر علمي، ولا مراعاة للتأثيرات الجانبية، ومخاطرها على المريض، والأخلاق الإنسانية مفقودة في كثير من هذه الصناعة.

إذا انتهينا من الحقائق الثابتة، ثم توقفنا عند الشك على الأقل في أعراض بعض الأمراض، وأنها تحتاج جولة تشخيص دقيق، يتبين لنا خطورة التبني والتسويق الواسع للعقاقير المشكك فيها من مصادر علمية، أو التي لم تستوف دراسة آثارها الجانبية.

إن هذا التزوير له علاقة بقضية اختراق لوبيات الفساد لصناعة السلاح والدواء في الولايات المتحدة الأميركية، وهي رأس مال واحد في بعض الشركات، يُصنّع السلاح والدواء معاً، ويستثمرهما لمصالح مادية بحتة ولتكتلات برجوازية إقطاعية ضخمة.

وظاهرة الفساد مسجّلة أيضاً في حالات اختراق كبيرة لمنظمات صحية دولية، والتي كشف بعض مسؤوليها منذ مدة عن فضائح ضخمة وسرقات لمسؤولي المنظمات الدولية، كان من أبرزها عملية النهب المنظم في برنامج «النفط مقابل الغذاء» للعراق الذي كان باباً واسعاً لاختلاسات ضخمة من خلال المنظمات الدولية، وعلى أثر هذه السيرة لا يمكن أن يوثق بالمطلق برقابة منظمة الصحة العالمية، فقد تكون تحت اختراق يَسكت عن مضاعفات العقاقير الطبية.



بقلم : مهنا الحبيل