+ A
A -
بِمَسْحٍ رؤيوي لـ الوطن عانقْتُ عنوانَ «رعاية متكاملة للمرضى النفسيين» وقانون الصحة النفسية. فالسعي إلى إعطاء الأولوية للصحة النفسية تكريم للمريض النفسي في أي رقعة جغرافية، وإنصاف له هو المتعرِّض للانتقاص من شأنه وسلب حقوقه مع أنه المسكين لم يختَرْ أن يكون كذلك.
ولا غرابةَ أن تَشْهدَ النفسُ تقصيرا في الرعاية الطبية لاسيما وأن أول من يتجاهل حقوقَ نفس الإنسان هو الإنسان شبيهُه. لماذا اللامبالاة القاسية بعلاج المرض النفسي وكأنه وصمة عار، بينما يَستميتُ الإنسانُ لضمان الصحة البدنية؟!
الإنسانُ بدن ونفس وعقل وروح. ولهذا يجب أن نُصححَ المفاهيم الخاطئة حين نقتصر على البحث عن علاج للأمراض التي تمسّ الجانب الملموس المرئي من الجسم، ونَغضّ الطرفَ عن الجانب الْمُضْمَر الذي يتآكل تحت وطأة العِلَّة. عندما يتوقف عضو عن العمل لعجزٍ أو إصابةٍ مثل الركبة أو البصر أو الغُدَّة الدرقية أو سوى ذلك تَجِدُ أنك تُسارع إلى زيارة طبيب متخصص لِيُشَخِّصَ الداءَ ويَصِفَ الدواءَ. لكنك عندما تشكو من عِلَّةٍ نفسية أو عقلية (أو روحية) تَضلُّ طريقَك إلى البروفيسور في مجال تخصصه الذي يمكنه أن يَجِدَ الحلَّ لما استعصى على الطبيب العادي.
الأسوأ من هذا أن تَجِدَ أحيانا المحيطين بك يتجاهلون عِلَّتَك من منطلق عدم الرضى عن البوح بحالتك وكأنه نيل من سمعتهم، لا لشيء سوى لخلطهم بين النفس والعقل والروح. بتجاهلهم لحالتك سواء عن جهلٍ أم عن خوفٍ من المجتمَع الذي لا يرحَم، من سيدفَع الثمنَ سِوَاكَ؟! حالتُك ستزداد سوءا إلى الدرجة التي قد يُخْفِقُ فيها تَدَخُّلُ الطبيب المتخصص، فربما يكونُ الأوانُ قد فات بعد أن تفاقمت الأمورُ، مما يُرْهِقُك أنتَ، لأن العلاجَ حينها إن توفَّرَ فسيأخذ وقتا طويلا، والخاسرُ أنتَ.
أسباب كثيرة قد تُعَطِّلُ صحةَ نفسك، وأحيانا تدفعك إلى زيارة طبيب نفسي مع أن دواخلَك تَرْفُضُ خوفا من المجتمع الذي لا يُفَرِّقُ بين المرض العقلي والمرض النفسي. غير أن كُلَّ ما قد تحتاجه ليس أكثر من إنسان تَدْفعُ له مقابلا من أجل أن يُعطيك الوقت الكافي ليَسْمعَك دون أن يُفشي كلمةً واحدةً خارج حدود الجدران الأربعة التي تَجْمَعُك به في غرفة الكشف الخاصة في عيادته.
البَوْح! البَوْح بما يأكُلك من حُزن قديم، البَوْح بما تُقْبِرُه من أسرار، البَوْحُ بما يُعَطِّلُ عَرَبَةَ التفاهم مع شريكِ حياتك أو محيطِك العائلي، البَوْح بما تخشاه إلى درجة الخوف الْمَرَضي (فوبيا)، البَوْح بما يُغَيِّب إحساسَك بالاستقرار في حياتك، البَوْح بهواجسك وتخوفاتك.. كل هذا يجعلك تَجدُّ وتجتهد بحثا عن أُذُن رحيمةٍ تُحْسِنُ الإنصاتَ إليك وتَدفن ما سمعَتْه في بئر سحيقة.
وأنتَ في سيارةِ أُجْرَةٍ أو قاعةِ انتظارٍ عند طبيب الأسنان قد تَجِدُ أن هناك مَن يبحث عن وسيلة لفتح باب الحوار معك بأي طريقةٍ لمجرد أن يَتكلمَ. ولو جَرَّبْتَ أن تَفتحَ له البابَ فسَتَجِدُ أنه قد لا يتوقف عن الكلام إلا بعد أن تَستأذِنَه وترحَل، لماذا؟ لأنه لا يجد لِمَنْ يبوح، وقد يفكر في اللجوء إلى برنامج يَطْلُبه المستمعون ليكشفَ ما يُتْعِبُه ويُخَفِّف من حملِ نَفْسِه الثقيل، فيعالِج نَفْسَه بالبوح دون حاجةٍ إلى تسديد أتعاب طبيب نفسي. البَوْحُ مَدْخَل إيجابي لتفريغ شُحْنَةٍ قد تُصبح سلبيةً إذا ظلَّتْ مُخْتزَنَةً في قاع ذاتك، وربما قادَ تراكُمُها إلى الإضرار بنَفْسِك، ولعل هذا أكثر الأسباب التي تؤدي إلى الاكتئاب. الإنسان يحتاج بين الفينة والأخرى إلى مسافةِ/ مساحةِ صمتٍ، لكن لا تَسْتَبْشِرْ خيراً إذا طال صَمْتُك.
نَافِذَةُ الرُّوح:
«الكتابةُ فِرارٌ من البابِ الضَّيِّق أو الْمُوصَد، وبَوْحٌ بكل ما يُرْهِقُ عينيَّ وقلبي ونفسي وروحي وعقلي».
«وَردة نَدِية بيضاء (تَقولُ للشِّفاه: «قَبِّلِيني») سابَقَتْ ظِلَّ قطارِ الزمنِ لِتَعْرِفَ طَريقَها إلى عينيَّ مِن عزيزٍ على القلب».
«اليومُ الذي يَأتي بدونك.. لا يَأتي».

بقلم : سعاد درير
copy short url   نسخ
01/12/2016
2969