هل نفقد الذاكرة.. وهل للحفظ حدود؟!، وكيف نعيد ما اختزنته الذاكرة إلى شاشة العقل؟! أسئلة كثيرة طرحتها، بعد ان عجزت في استرجاع سورة «الكهف» وأنا أصلي «التهجد». شعرت وأنا أقف بين يدي الله سبحانه، أنني فقدت ذاكرتي، سلمت يمينا ثم شمالا، وعدت إلى الكتاب، أقرأ حاضرا سورة الكهف.. ووجدت أنني غير قادر على حفظ السور العشر الأوائل، ولكن العشر الأواخر منها احفظها عن ظهر قلب.. عدت من جديد إلى جزء «عم» وبدأت أقرأ حاضرا، ووجدت ذاكرتي تسترجع ما حفظته من قبل، حاولت مع سور أخرى لم أفلح.. وعندما عرفت السبب بطل العجب، فسور جزء «عم» حفظتها في الطفولة أما غيرها فقد حاولت حفظها في الكبر، ووجدت نفسي أضحك على نفسي حين تذكرت المثلين القائلين الأول يقول: «العلم في الصغر كالنقش على الحجر»، أما الثاني الذي جعلني أصاب بإغماءة ضحك فهو: «التعليم في الكبير، مثل الضرب في الحمير» وهو مثل سمعته من مدير مدرستي وجهه لطالب رسب في الصف السادس الابتدائي لمدة «3» سنوات متتالية، ثم سلمه المدير كتابا عنوانه «التعليم في الكبير.. ولقد اكتفى بتعليمه» ذلك الطالب.. اصبح مثلا، وكان ذلك بمثابة تحد له، وقرر ان ينجح في مجال آخر فاختار مهنة «النجارة» بعد دورات عند نجار محترف، وهو الآن صاحب اكبر محل نجارة في بلدته، ويطلق عليه لقب مهندس، التقيته بعد غياب وجدته يملك فـيلا فاخرة ومرسيدس «شبح» وله زوجتان.. استقبـــــلني باسما.. وقال: لا يحقق المجد إلا الحمير.. قلــت: شعار الحزب الجمهوري الأميركي هو «الحمار».
وهذا الحزب هو الأكثر شراسة في التعامل مع الآخرين، ما علينا ولكن كيف لك ان تتذكر المقاسات والزبائن، وكنت فاشلا في الرياضيات والعربي والانجليزي.. فقال: العلم في الصغر كالنقش في الحجر.. فلقد تعلمت النجارة في صغــــري.. وأحببتها.
عدت إلى صومعتي أبحث في علة ذاكرتي ولماذا هذه «الغمة» التي تغلفها، فهل هي بسبب تمدد الهيمنة الأخرى على كل مقدرات حياتنا، وهل أنا الوحيد المصاب بهذه الغمة، أم الأمة العربية مصابة «بغمة الذاكرة»؟».. وتحتاج إلى طفولة جديدة تتعلم كيف تنمي ذاكرتها فيما يتعلق بالأسماء، والأرقام والتاريخ والقوائم والأحاديث والمقالات، والشعر والكتب، تتعلم كيف تستخدم ذاكرتها لعلها تستطيع ان تنجو من الهيمنة الزاحفة التي تريد ان تمحو ذاكرة هذه الأمة، لتنسى أنها أمة نقلت إشعاع التنوير في الطب والفلك والفيزياء والكيمياء والأحياء إلى الأمم التي تعمل على أن تهيمن على ذاكرتنا، فلا تحفظ من القرآن سوى قصار السور، ولا تحفظ من التاريخ سوى المزور، ولا تحفظ من تاريخنا سوى الهزائم لتبقى رؤوسنا تحت أقدام من خططوا ليصلوا إلى هذا اليوم، وها هم يغنون «الميجنا» في غرب نهر الأردن، ويصدحون بالمقام العراقي على ضفتي الرافدين!!
لإزالة «غمة» الذاكرة تناولوا الزعتر!!
وإياكم و«الباجا».

بقلم : سمير البرغوثي