في علاقتك مع الغير يلعب عامل الثقة دوراً جوهريّاً في كيفية تواصلك مع الآخر. فعندما يثق الطرف المقابل بك فإنه يفتح لك الباب على مصراعيه لتتصرف معه بأريحية، بدلاً من أن تشعر بأنك مقيد وغير قادر عن التعبير عن نفسك وأفكارك ومشاعرك ضمن علاقة تخلو من الثقة، والعكس صحيح.
علاوة على ذلك، فإن الثقة في العلاقات المهنية ضرورة لا غنى عنها. فلك أن تتخيل الفائدة الكبيرة التي ستجنيها عندما تنجز عملاً لعميل يثق بك، وكيف أن تفانيك وإخلاصك في عملك سيدفعانه بالتأكيد للإشادة بك أمام معارفه، مما يعود عليك بالنفع والمزيد من العملاء المخلصين، ويقربك من النجاح أكثر، حتى إنه يقال بأن النجاح في معظمه يتلخص في العلاقات الشخصية. إذا كانت لديك شبكة علاقات قوية ارتقيت إلى القمة بسرعة، وإذا كنت شخصاً لا يثق به الآخرون وليست لديه علاقات متينة مبنية على الثقة فإن طريقك إلى النجاح سيكون مليئاً بالعثرات والصعوبات التي قد تحول بينك وبين بلوغ المكان الذي تريد الوصول إليه.
وعلى النقيض من ذلك، إذا كنت شخصاً لا يثق به زملاؤه في العمل ولا عملاؤه، فإن ذلك سيكون سبباً رئيسيّاً في تأخير نجاحك بل وحتى إعاقتك في كثير من الأحيان عن تحقيق أهدافك وأحلامك على الصعيد المهني. نفس الشيء ينطبق على حياتك الاجتماعية، حيث إنك إذا لم تكن إنساناً يثق به أصدقاؤه وأقرباؤه ومعارفه، فإن ذلك سيؤثر على نجاحك بشكل كبير على أصعدة مختلفة.
من النصائح المهمة في بناء الثقة بينك وبين الغير، هي أن تبني الثقة بنفسك أولاً. بمعنى أن تطبق المثل القائل «الوقاية خير من قنطار علاج». فبدلاً من أن تحاول إصلاح العلاقات الفاشلة، تبني الثقة منذ البداية. وبدلاً من أن تحاول نيل ثقة الآخرين، تزرع الثقة في داخلك أولاً وتمنحهم ثقتك في المقام الأول.
أما معوقات الثقة فهي كثيرة، من بينها قاعدة التعميم، التي ينهجها البعض وتجعل المرء يعتقد أن جميع الناس يكرهونه ولا يحبونه، أو أن كل من حوله أناس سيئون وهو الوحيد الجيد. وصولاً إلى تعميم المشاعر والأفكار، كأن يضخم المرء من أفكاره أو مشاعره السلبية التي تنتابه في لحظة ما ليجعلها تطغى على حياته بأكملها. فإذا أحسّ بحزن يوماً، خاطب نفسه قائلاً: أنا مكتئب طوال الوقت! وإذا غضب في لحظة قال: أشعر بالاستياء والغضب دائماً! وإذا أخفق مرة قال: أنا فاشل تماما!
وبتطبيق هذه القاعدة على التعاملات، فإن المرء يخسر من حوله وثقتهم به؛ لأنه يعطي انطباعاً بأنه شخص لا يرى سوى السلبيات في كل شيء حوله، فكيف لك أن تثق بشخص كهذا؟!
ويرتبط بالتعميم نمط اسمه «التفكير المثالي»، وهو أن تطالب نفسك دائماً بالكمال. فإذا أخطأ شخص بحقك ذات مرة تنهي علاقتك به وتنفر منه، وإذا أخفقت في الامتحان، أو أخطأت في عملك لا تسامح نفسك، فتقضي وقتك في جلد الذات. إن الشخص الذي يريد كل شيء وشخص حوله كاملاً، لن يحصد سوى خيبة الأمل ولن ينال ثقة الآخرين فيه.
المعوق الثالث للثقة هو الانتقاء الذاتي، وهو تركيز الإنسان على الجوانب السلبية في أي شيء يحدث في حياته دون أن يدرك الجانب الإيجابي (التركيز على نصف الكأس الفارغ). أما المعوق الرابع فهو الشكك، حيث تضع كل من عداك في دائرة الاتهام. فإذا قال أحدهم كلمة معينة منتقداً بعض الأشخاص أمامك، ظننت على الفور أنه يقصدك، وإذا تأخر صديق لك عن موعده معك اتهمته بالتقصير وبعدم الاكتراث بك وبأنك لا تعني له شيئا!
إن أساس كل معوقات الثقة والمشكلات في العلاقة مع الآخرين هو نقص تقدير الذات. ولذلك يجب أن تكون خطوتك الأولى هي اكتساب الثقة بنفسك. وبعد ذلك تؤسس لبعض الصفات الشخصية التي تساهم في جعلك شخصاً موثوقاً وتتيح لك القدرة على الثقة بمن حولك؛ مثل أن تكون نزيهاً صادقاً مع النفس ومع الآخر دوماً، وأن تعذر الآخرين وتلتمس لهم الأعذار، وتفسر تصرفاتهم بحسن نية، ولا تعتمد على الكلام فقط لبناء جسور الثقة بينك وبين أقرانك، بل تحرص على أن تسبق أفعالك أقوالك؛ لأن الثقة لا تُمنح إلا لمن يجسد معاني الثقة بشكل عملي لا بالقول فحسب.