خلال زيارة سابقة لمدينة غازي عنتاب التركية التقيت عدداً كبيراً من أبناء التيارات الفكرية العربية العديدة، التي احتضنها المجتمع السوري بين علمانيين وتكنوقراط وطنيين وإسلاميين، كان اللقاء على هامش محاضرة عن الفكر المدني في فقه الشريعة.
اللقاء الذي دُعيت له من رئاسة المركز الدولي للإسلام والديمقراطية، عبر دعوة كريمة من الأخ والصديق العزيز د. نبيل قسّيس، فتح ليَ الباب مجدداً، على نافذة مهمة للغاية في علاقات التيارات العربية الحوارية، والتي تصنع المشتركات ولا تبحث عن الصراعات.
وبالفعل كانت المحاور التي طرحتُها رغم أنها مؤصلة على فهمي كإسلامي مستقل، محل اهتمام بين موافقة وتفهم واختلاف تقني وفكري، ممكن أن ينتظم في مسيرة تدوين العهدة الثقافية الدستورية الجديدة، التي يحتاجها المشرق العربي اليوم، لصناعة طريق الخلاص من أزمة الاستبداد وفوضى التوحش معا، ومن إشكالية التدخلات الواسعة، والتي تستثمر صراع التيارات العربية فيه بقسوة.
ولقد حظيتُ بثلة من المثقفين ذوي الدراسات والقراءة الواسعة، والتجربة السياسية القاسية والعميقة في سوريا، وهم بالتالي في موقع أكبر بكثير من حيث مكانة باحث عربي أقل منهم تجربة، ولكن الاهتمام النوعي، كان حاضرا من الأساتذة الكرام، لخُلقِهم ورغبتهم لفهم الوعي الإسلامي الجديد.
إن من المهم جدا أن يتطارح الرواق الثقافي اليوم، في طاولة حواره، مشروعا فكرياً نوعيا وهو البحث عن الميثاق الانتقالي لشعوب المنطقة، وهو أبرز محور حظي بحوار واهتمام من زملائي الكرام.
إن قرار الخروج من المواجهة المعلنة بين العلمانية العربية والإسلامية العربية، لا بد أن يتحقق كشرط مصلحي لبلدانهم، إن لم يكن شرطاً مبدئياً، وعرفاً إنسانياً نعبر به كمثقفين عرب، وخاصة في المشرق الجريح لنصل لضفاف التواصل والفهم، وتحييد الخلفيات الصراعية التي ورثناها، ونبذ المتطرفين من الجانبين.
وهذا لا يعني أننا سنستيقظ على تطابق فكري ومصالحة تاريخية، تختفي فيها كل الخصومات وسجل التجارب السياسية الصعبة، التي حملت عنف الدولة لهذا التيار أو ذاك، ولكنها تؤسس لعهدٍ جديد يصنع من التوافقات، بنية تحتية لتنظيم العلاقات المشتركة، لمصلحة الأوطان والإنسان، ولمصلحة خطاب العرب التاريخي، لذاته ونهضته وشريكه الإنساني المنصف الغربي والشرقي.
إن من الخطأ بمكان أن يعتقد الإسلاميون أو العلمانيون، أن المكتبة الثقافية لكليهما هي إرث صراع وتكفير مدني أو ديني، فمساحة المشتركات، وإعادة خطاب الإنسان والنهضة لها حيّزٌ كبير بينهما، كما أن الصورة النمطية لدى الإسلاميين عن العلمانيين، أضرت بثقافتهم الذاتية، فمنعتهم من الاستفادة من مخزون كبير لزملائهم، وأيضاً من انفتح على أصول الفقه الإسلامي من العلمانيين العرب، وجد ثروة كبرى لثقافته.
وأذكر منذ 10 سنوات خلت، وردتني رسالة لمفكر عربي علماني، ككاتب إسلامي ضمن قائمة، رغب بعرض مشروع النهضة العربي الذي صاغه عليهم، ولا أزال استذكر جيداً أن مساحة الاختلاف قليلة، وأن مجمل التقنيات الثقافية والإدارية للعبور إلى فكر النهضة متفق عليها تماما.
هنا تحضر قصة الميثاق الانتقالي، وهو أن البنية الثقافية الدستورية والمعرفية، التي نحتاجها اليوم، سيتفق عليها كلا التيارين، لإمداد مكتبة الشباب العربي، بمادة وعي أساسية ترسّخ عند الإسلاميين والعلمانيين، طريق حلف فضولٍ تقدميٍ لا ينزعهم من مبادئهم، ولكن يؤسس لهم ميثاقاً ينقذ أوطانهم.
بقلم : مهنا الحبيل
اللقاء الذي دُعيت له من رئاسة المركز الدولي للإسلام والديمقراطية، عبر دعوة كريمة من الأخ والصديق العزيز د. نبيل قسّيس، فتح ليَ الباب مجدداً، على نافذة مهمة للغاية في علاقات التيارات العربية الحوارية، والتي تصنع المشتركات ولا تبحث عن الصراعات.
وبالفعل كانت المحاور التي طرحتُها رغم أنها مؤصلة على فهمي كإسلامي مستقل، محل اهتمام بين موافقة وتفهم واختلاف تقني وفكري، ممكن أن ينتظم في مسيرة تدوين العهدة الثقافية الدستورية الجديدة، التي يحتاجها المشرق العربي اليوم، لصناعة طريق الخلاص من أزمة الاستبداد وفوضى التوحش معا، ومن إشكالية التدخلات الواسعة، والتي تستثمر صراع التيارات العربية فيه بقسوة.
ولقد حظيتُ بثلة من المثقفين ذوي الدراسات والقراءة الواسعة، والتجربة السياسية القاسية والعميقة في سوريا، وهم بالتالي في موقع أكبر بكثير من حيث مكانة باحث عربي أقل منهم تجربة، ولكن الاهتمام النوعي، كان حاضرا من الأساتذة الكرام، لخُلقِهم ورغبتهم لفهم الوعي الإسلامي الجديد.
إن من المهم جدا أن يتطارح الرواق الثقافي اليوم، في طاولة حواره، مشروعا فكرياً نوعيا وهو البحث عن الميثاق الانتقالي لشعوب المنطقة، وهو أبرز محور حظي بحوار واهتمام من زملائي الكرام.
إن قرار الخروج من المواجهة المعلنة بين العلمانية العربية والإسلامية العربية، لا بد أن يتحقق كشرط مصلحي لبلدانهم، إن لم يكن شرطاً مبدئياً، وعرفاً إنسانياً نعبر به كمثقفين عرب، وخاصة في المشرق الجريح لنصل لضفاف التواصل والفهم، وتحييد الخلفيات الصراعية التي ورثناها، ونبذ المتطرفين من الجانبين.
وهذا لا يعني أننا سنستيقظ على تطابق فكري ومصالحة تاريخية، تختفي فيها كل الخصومات وسجل التجارب السياسية الصعبة، التي حملت عنف الدولة لهذا التيار أو ذاك، ولكنها تؤسس لعهدٍ جديد يصنع من التوافقات، بنية تحتية لتنظيم العلاقات المشتركة، لمصلحة الأوطان والإنسان، ولمصلحة خطاب العرب التاريخي، لذاته ونهضته وشريكه الإنساني المنصف الغربي والشرقي.
إن من الخطأ بمكان أن يعتقد الإسلاميون أو العلمانيون، أن المكتبة الثقافية لكليهما هي إرث صراع وتكفير مدني أو ديني، فمساحة المشتركات، وإعادة خطاب الإنسان والنهضة لها حيّزٌ كبير بينهما، كما أن الصورة النمطية لدى الإسلاميين عن العلمانيين، أضرت بثقافتهم الذاتية، فمنعتهم من الاستفادة من مخزون كبير لزملائهم، وأيضاً من انفتح على أصول الفقه الإسلامي من العلمانيين العرب، وجد ثروة كبرى لثقافته.
وأذكر منذ 10 سنوات خلت، وردتني رسالة لمفكر عربي علماني، ككاتب إسلامي ضمن قائمة، رغب بعرض مشروع النهضة العربي الذي صاغه عليهم، ولا أزال استذكر جيداً أن مساحة الاختلاف قليلة، وأن مجمل التقنيات الثقافية والإدارية للعبور إلى فكر النهضة متفق عليها تماما.
هنا تحضر قصة الميثاق الانتقالي، وهو أن البنية الثقافية الدستورية والمعرفية، التي نحتاجها اليوم، سيتفق عليها كلا التيارين، لإمداد مكتبة الشباب العربي، بمادة وعي أساسية ترسّخ عند الإسلاميين والعلمانيين، طريق حلف فضولٍ تقدميٍ لا ينزعهم من مبادئهم، ولكن يؤسس لهم ميثاقاً ينقذ أوطانهم.
بقلم : مهنا الحبيل