دعْ عنك أنّ الدولة المنظمة دولة عربية على أرض عربية وضعْ جانبا أن الكأس هي أول كأس عربية في تاريخ اللعبة وانظر إلى ما حركته الكأس وتنظيمها وما حف بها من حملات إعلامية من مشاعر وردود أفعال.
التنظيم إنجاز عظيم لكن أهم ما أنجزته الكأس أنها حرّكت راكدا وأيقظت شعورا كُنا نحسبه بعيدا فإذا هو حاضر بيننا لا يبرحنا.
ظهر التعاطف العربي أولا مع الدولة المنظمة حين أبدت الجماهير العربية سواء منها الحاضرة في قطر أو تلك التي تشاهد المونديال عبر شاشات التلفاز في الشرق والغرب تضامنها مع الدوحة بسبب الهجمة الإعلامية ضدها.
ثم تطوّر الأمر ثانيا إلى التضامن الكامل حين تصاعدت الحملات العنصرية ضد البلد العربي المسلم بسبب موضوع الشواذ وما كان يخفيه من محاولات فرض النموذج الثقافي الغربي على البلد المسلم.
في مرحلة ثالثة ومع انطلاق البطولة العالمية تصاعد الشعور العربي المشترك مع فوز السعودية ضد المرشح الأبرز للفوز باللقب فريق الأرجنتين ثم تواصل هذا التعاطف مع فوز الفريق المغربي ضد بلجيكا وترشحه إلى الدور الموالي وكذا انتصار تونس أمام فرنسا.
خلال هذه المراحل الثلاث أدركت الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج أن الحدث الرياضي حدث موحِّد وأن الجماهير الحاضرة كانت تشجع الفرق العربية بقطع النظر عن البلد المعنيّ بالمباراة.
في سابقة هي الأولى من نوعها في المباريات العالمية رفع أمير قطر والأمير الوالد وكافة المسؤولين القطريين أعلام الدول العربية المشاركة حيث توشح سمو الشيخ تميم بن حمد بعلم السعودية خلال المباراة وكان من أول المشجعين. وشاهد الجمهور التونسي الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة وهو ينشد النشيد الوطني التونسي واقفا في منظر لم يشاهده شعب تونس لحاكم عربي قبله.
زيارة ولي عهد السعودية وزيارة حاكم الإمارات هي الأخرى إشارات بيّنة واضحة على الحرارة التي تدب في الجسد العربي المثقل بالأزمات والصراعات.
من هنا كانت كأس العالم فرصة تاريخية لضخ دماء جديدة في علاقات الدول والشعوب بعد أن بان بالدليل القاطع كيف اتحدت الدول الغربية من أجل إفشال المونديال وكيف حاولت ابتزاز قطر لفرض هيمنة نموذجها الثقافي والأخلاقي ضد العرب.
كأس العالم 2022 كأس عربية بامتياز أكدت من جديد أن المصير العربي واحد وأن الانتصار الحضاري واحد وأن اللحمة العربية لم تعد خيارا بل ضرورة حتمية لإنقاذ النموذج الثقافي العربي من هجمات غزاة الأمس ومن المحاضرين في حقوق الإنسان اليوم.
محمد هنيد أستاذ محاضر بجامعة السوربون