+ A
A -
أمضى حياته في مهنة المتاعب، وبعد خلاف مع رئيس حكومة بلاده، وجد نفسه بلا عمل، يجلس في بيته يكتب شعراً يمدح هذا، ويذم ذاك، ويدون مذكرات ربع قرن من العمل في هذه المهنة.. إلى أن وجد نفسه غير قادر على شراء علبة سجائر، زاره صديق، فأشفق على وضعه، فعرض عليه مراسلة احدى وكالات الأنباء الخليجية، فوافق من حيث المبدأ، لكنه سأل: هل يوجد للوكالة هذه مراسل في بلدي؟ فتهرب صديقه من الاجابة عن السؤال، طالباً إمهاله يومين للتحقق من ذلك.
واتفقا على ذلك. وبعد يومين عاد الصديق ليبلغ الصحفي انه اتصل بوكالة الأنباء فوافقت على تعيينه بدلاً من مراسل آخر تصفه الوكالة بأنه - غير نشيط - فاحتد الصحفي وقال: أمضيت خمسة وعشرين عاما أعلم أخلاق مهنة الصحافة، وتريدني ان اتخلى عن هذه الأخلاق من اجل حفنة دولارات.. لست من يقبل على نفسه هذا الامتهان.. إلى ذلك، فإن المراسل الآخر لديه عائلة كبيرة، وينفق حسب معلوماتي على ابناء في الجامعة، أما أنا فليس لدي أية التزامات سوى زوجتي.
حاول الصديق ثني الصحفي عن قراره حتى لا يقع في حرج مع وكالة الأنباء.. فلم يفلح.. جاء المراسل الاول إلى الصحفي ليبلغه شكره وتقديره لموقفه.. وانه مستعد للتنازل له، فقال الصحفي: للمهنة أخلاق، ومن أخلاق المهنة ان احترم زميلي فيها، فإذا فقدت هذا الاحترام فلنقل على مهنة الصحافة السلام.
على النقيض من ذلك، هناك دخلاء على مهنة الصحافة، ولم يتحلوا بأخلاقها، نجدهم يغتنمون اية فرصة للطعن في أخلاق المهنة فما ان يلتقوا مدير تحرير أو رئيس تحرير صحيفة خارجية، حتى يبدؤوا بعرض عضلاتهم في فنون الصحافة، بل واكثر من ذلك فهم يطعنون في تقارير زملاء لهم يعملون مراسلين، افتراء وكذبا للانقضاض على مواقعهم لأنهم لم يتعلموا ما معنى اخلاق المهنة ولم يتشربوا معنى الزمالة.. التي تفرض على كل من دخل إلى بلاط صاحبة الجلالة ان يحترم هيبة وجلال ووقار ميثاقها ليكون حجراً في مدماك هيكل الجسم الصحفي، وليكون جزءا فاعلاً ومؤثراً فيه، يتألم مع ألمه ويفرح مع فرحه وينمو مع نموه.
زميلة تعمل في لندن، وتراسل عدداً من الصحف العربية، تقول: لقد آلمني أن زميلاً لي حل في لندن مؤخراً، جاء يحمل معه شهادات براءة من اخلاق المهنة حيث بدأ في إرسال تقاريره الصحفية دون علمي.. بعد ان استطاع إقناع الصحف العربية التي تراسلها بأنه الأكثر جدوى من الزميلة.. والزميلة تقول: انني اعتمد في معيشتي في عاصمة الضباب على عملي كمراسلة، ولكن لم أجرؤ أن أتجاوز حدود اخلاق المهنة، رغم ان التقارير التي يبعثها الزميل مدبلجة في معظمها، ومنقولة في اكثرها عن الصحافة البريطانية، إلا انني تعففت وآثرت ان أبقى بأخلاق مهنتي، واترك الزميل في حاله.
هذه الزميلة اتصلت بي بعد مدة لتبلغني ان المراسل نفسه انكشف أمره ولكن اخلاقي ترفض ان أعود لمراسلة تلك الصحف التي راسلها، فهل أنا مصيبة؟!!
لم أجد ما أجيب به الزميلة.. انها أخلاق المهنة.

نبضة
ما بين حرف وحرف ترتقي أمة.. وما بين حرف وحرف تنتهي أمة.. والحكمة أن نعرف كيف نستخدم ما بين الحرفين.
بقلم : سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
06/12/2016
990