أغلب الناس حول العالم لا يعلمون أن هناك فارقاً بين الأساطير والخرافات، حيث يعتبرون أن هاتين الكلمتين تجسدان مرادفات لمعنى واحد. فالأسطورة في نظر الكثيرين هي عبارة قصة مبنية على الخيال المحض؛ بمعنى أنها خرافة لا تمت إلى الواقع بصلة، تحكى عادة إلى الصغار قبل الخلود إلى النوم. لكن هذا المفهوم خاطئ كلياً، ولا يقارب الحقيقة لا من قريب ولا من بعيد.في الواقع، إذا ما سبرنا أغوار الأساطير، وولجنا إلى أعماقها، فسنكتشف أنها وسيلة مهمة لتعليمنا عبراً عظيمة وحكماً عميقة لأبعد الحدود من خلال استخدام الرموز والصور الرمزية. وحتى نتمكن من فك طلاسمها فنحن بحاجة إلى شخص يملك ذهنية الباحث، وعقلية المفتش الذي يرى ما بين السطور، ويفتش بعمق ليبصر ما وراء الكلمات، ويستنبط ما يقبع خلف الصور؛ أي ينظر تحت السطح.إن الأساطير موجودة منذ قديم الأزل، وكان لها حضور قوي في التاريخ البشري، حيث تم تداولها على مر العصور المتعاقبة بقوة كبيرة وإقبال واسع الانتشار. هي ليست مجرد قصص خرافية، بل هي أشبه بمعلم يقدم إلى الناس دروساً روحية. لذلك فإن الشخص الذي لا يرى من الأشياء سوى ظاهرها، لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يفك مفاتيح الأساطير ويستفيد من عبرها، ويفهم المغزى الدفين الكامن وراءها، ويبصر المعاني الباطنية المبثوثة في داخلها.تكمن قوة الأساطير في كون عقلك الواعي، لا يستوعب بعض الأمور بشكل عميق إلا من خلال القصص والأساطير. كما أن رغبة كل واحد فينا في أن يكون بطل حياته وواقعه، أشبه بعيشك أسطورة خاصة تلعب فيها دور البطل فيها. وبالتالي، فكل المراحل والتجارب والمحطات والتحديات التي يمر بها بطل الأساطير ابتداء من المجهول والتغلب على الوحوش، وصولاً إلى تحقيق الهدف النهائي من الرحلة؛ تمثل خروجاً من دائرة المألوف إلى دائرة غير المألوف.على سبيل المثال، عندما تبدأ في ملاحقة شغفك، وتبتعد في سبيل ذلك عن الملهيات والمشتتات، سيشعر رفقاؤك بالتغيير الذي أحدثته، وسيصبحون بالنسبة لك حينها أشبه بالمجهول حين تبتعد عنهم بقصد مواصلة حلمك. أما الوحوش التي تجابهها في الغابة كبطل لأسطورتك الخاصة فمثل هواجسك الداخلية مثل الخوف من الفشل، والخوف من آراء الآخرين حولك وهلم جرّاً. وعليه، فإن خروجك خارج دائرة المألوف في واقعك يستلزم منك العودة إلى مكامن الخوف داخلك، لتلقي نظرة حب على وحوش غابتك التي ستتحول عندها إلى لا شيء؛ بمعنى أنها لن تعود بعد الآن مصدراً للقلق والخوف، بعدما قررت أن تمضي في صناعة أسطورتك الخاصة.لهذا، فإن الأساطير في مختلف الحضارات هي عبارة عن رسائل لتبادل الحكم والعبر. وهذا لا يعني أن ما تداولناه من أساطير منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا خال من الخداع والترهات والخزعبلات، لكن الروح الأصلية لهذه الأساطير هي المعاني الأصيلة التي تحاول إيصالها إلينا، والتي بوسعك الاستفادة منها إذا نظرت إليها بعين الفاحص المتعمِّق، لا بعين من ينظر إلى الأشياء بشكل سطحي.تبين الأبحاث والدراسات بأن القصص أقوى بعشرات المرات من المعلومات المجردة التي تقدم إلينا كما هي، وذلك في عملية تعليم العقل الواعي، وإيصال المعاني العميقة إليه. وأبسط دليل على ذلك، هو أن أكثر شيء نتذكره من الأشخاص الذين ألهمونا في الماضي هي القصص التي قصّوها علينا.لهذه الأسباب كلها، من الأهمية بمكان أن تنظر إلى الأساطير بعين الحكمة والرشد، بعين المتفحص الباحث عن حقائق الأمور وعمق الأشياء؛ لتستنبط منها تلك الكنوز النفيسة التي يمكن أن تغير مجرى حياتك نحو الأفضل.
استثمر الأساطير لتعزيز تطورك
- 08/06/2022
- /
- آراء و قضايا
+ A
A -