أكتب من المنامة، بعد الجلسة الافتتاحية للدورة السابعة والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي عقدت في قصر «صخير»، مساء أمس، بمشاركة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله.
وسط أجواء من التفاؤل والعزم على التقدم للأمام بمجلس التعاون، ليأخذ أدوارا تناسب المرحلة، وقرارات بحجمها، انطلقت قمة «النماء والارتقاء» والتي تنعقد في ظروف دقيقة، بل حرجة.. لتستكمل مسيرة ست قمم سابقة، استضافتها مملكة البحرين الشقيقة، منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي في عام 1981، ساهمت في ترسيخ المبادئ الأساسية التي قام عليها المجلس، وأسهمت في ترتيب بيتنا الخليجي الواحد، وحققت المزيد من التلاحم بين أبناء دولنا الست، وما يربطهم من مصير مشترك.
وقبل أن نخوض في حيثيات القمة وتفاصيلها وملفاتها، لابد من الإشارة إلى أننا لمسنا ردود الأفعال الإيجابية لزيارة خادم الحرمين الشريفين للدوحة، والتي كانت تاريخية بكل معنى الكلمة، فقد كانت حديث أروقة القمة والوفود الرسمية والإعلامية، التي رأت في حفاوة الاستقبال مجموعة من الدلالات المهمة، أبرزها ما تحظى به المملكة، وخادم الحرمين الشريفين من مكانة خاصة، ليس في دول الخليج فحسب وإنما على الصعيدين العربي والدولي.. كما أجمعت بأن دولنا الست مقبلة على مرحلة مفصلية ومهمة للغاية، وحقبة تاريخية واستراتيجية، تعكس قوة وترابط أواصر العلاقات بين دولنا وشعوبنا، وتقدم نموذجاً في العلاقات الدولية على جميع الأصعدة، وهو ما عكسته الكلمات التي ألقيت في الجلسة الافتتاحية، وبدأت بكلمة العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الذي أكد أن مجلس التعاون لم يعد أداة لتعزيز مكتسبات الشعوب الخليجية فقط، بل أضحى صرحاً إقليمياً يبادر إلى تثبيت الأمن والسلم الإقليمي والدولي، لافتا إلى دور المجلس الفاعل في وضع الحلول والمبادرات السياسية لحل أزمات دول المنطقة، ومنع التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية.
وتناول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ما تمر به المنطقة من أمور بالغة التعقيد، وأزمات، بما يتطلب العمل لمواجهتها والتعامل معها بروح المسؤولية، وتكثيف الجهود لترسيخ الأمن والاستقرار.
وهو ما تناوله أيضا أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، الذي أكد على ضرورة مراجعة الأسس والسياسات لمواجهة المخاطر والبحث عن مجالات التعاون التي تحقق المصالح العليا لدولنا.
قمة المنامة (2016) ربما تكون الأكثر أهمية، بسبب الظروف التي تمر بها منطقتنا، من جهة، وبسبب ما هو مطروح على جدول الأعمال من قضايا في غاية الأهمية.
وأود أن أشير هنا، بكل امتنان وتقدير، إلى جهود الأخوة في البحرين لتقديم كل ما من شأنه تمكين الإعلاميين من النهوض بدورهم على أفضل وجه ممكن، قبل الحديث عن جدول الأعمال الحافل بالموضوعات المهمة، وفي مقدمتها تعزيز العمل الخليجي المشترك في مختلف المجالات، خاصة لجهة تعميق المواطنة الخليجية، وصولا إلى إنجازات تكاملية أو وحدوية، من شأنها حماية دولنا وتشكيل درع حقيقي يقيها المخاطر ويمكنها من مواجهة التحديات الكبيرة، وهذا يستدعي مواقف موحدة حيال القضايا الإقليمية والدولية، تحقق الأمن والاستقرار لدولنا ولجميع الدول العربية، بما يحفظ وحدة وسلامة أراضيها، دون أن ننسى ظاهرة العنف والإرهاب، التي تستدعي إجراءات تحد من خطرها وتقطع دابرها.
ما تحدثت عنه يمكن اعتباره بمثابة عناوين رئيسية مطروحة أمام قمة المنامة، وإذا ما أردنا الدخول في التفاصيل، فإن هناك مجموعة من الملفات المهمة كما هو الحال بالنسبة للملف الإيراني واليمني والسوري، وهي متداخلة بصورة كبيرة، وتحتاج إلى تكاتف وتعاضد من أجل التوصل إلى حلول سلمية، تقوم على مبدأ التفاهم والتعايش السلمي الذي تؤمن به دولنا الست، وترى فيه الوسيلة المثلى لتجاوز الصعاب والمشكلات.
نحن طلاب سلام وأمن واستقرار، ومبدأنا حسن الجوار، وتبادل المنافع والمصالح، لكن ذلك لا يلغي بحال من الأحوال حقيقة وجود قلق، له أسبابه الماثلة أمامنا بوضوح، ومن يمعن النظر في التداعيات اليمنية أو السورية، سوف يجد أن هذا القلق له مبرراته، وهو يحتاج إلى استراتيجية مختلفة، تتسم بالحزم إلى جانب الدبلوماسية، إذ أن دولنا الست عازمة على منع أي محاولة لزعزعة استقرارها أو النيل من منجزاتها، لذلك كان الحديث قويا وواضحا وجليا في أروقة المؤتمر بأن منظومتنا الخليجية لابد من تطويرها لتكون قوية ومتماسكة، يدعمها في ذلك الروابط الأخوة ووحدة الدم والدين والتاريخ والهدف والمصير المشترك.
كما قلت فإن الحديث يدور أساسا حول التحديات الأمنية والاقتصادية وحتمية دفع العمل المشترك لتعزيز الأمن والاستقرار والرخاء الاقتصادي والاجتماعي، وردع التدخلات الخارجية، وهذا ليس بالأمر اليسير فأمام ما تواجهه منطقتنا لابد من إجراءات وقرارات لا تعرف «الحلول الوسط» أو المجاملة، لأن ما تتعرض له منطقتنا هو صراع تتزايد حدته ويستدعي قرارات تؤسس لاستراتيجية قادرة على مواجهة التهديدات الأمنية أو الأخطار الخارجية، ومع أن هناك منظومة متكاملة على هذا الصعيد، إلا أن المطلوب شيء أوسع من شأنه تكريس فكرة الأمن الجماعي بصورة أشمل وأكثر تأثيرا.
أعود لأجواء أروقة القمة التي عكست إحساسا عاليا بوحدة المصير والهدف، وقد كان لي شرف حضور عدة قمم خليجية، وللأمانة فإنني ألمس في هذه القمة تقاربا ورغبة في التلاحم والتعاطي مع التحديات الراهنة والأجواء المضطربة المحيطة بالمنطقة، عبر لقاءات مع مسؤولين وإعلاميين اتسمت أحاديثهم ومناقشاتهم بكثير من الجدية والمسؤولية، تماما كما هو حال المواطن الخليجي العادي، الذي رأيناه يبدي اهتماما استثنائيا بهذا الاجتماع، لعلمه بما تواجهه منطقتنا، وبالتالي فإنه يتطلع إلى قرارات تعطيه الإحساس العميق بالارتياح والثقة بالمستقبل.
وكانت فرصة لنقاشات ثرية، أجمع كل من التقيتهم على خطورة المرحلة، وعلى ضرورة الخروج بقرارات تلبي تطلعات شعوبنا، وتشكل درعا منيعا وسط متغيرات تستدعي تغيير نمط التعاطي مع هذه التحديات والارتقاء بالعمل المشترك إلى مراحل أوسع.
أود أن أشير أيضا إلى مشاركة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي كضيف شرف في القمة الخليجية، وهي تحمل دلالة مهمة على ما توليه دولنا من اهتمام لبناء شراكات قوية وراسخة من الدول الأوروبية، خاصة وأن هذه المشاركة هي الثانية من نوعها لزعيم أوروبي بعد مشاركة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في القمة التشاورية بالرياض، خلال العام الماضي، الأمر الذي يشير إلى حرص منظومتنا الخليجية على تعزيز الشراكة مع الأوروبيين وفق قيم مشتركة، تقوم على ترسيخ الأمن والاستقرار وتعزيز السلام.
خلاصة القول إن أجواء القمة عكست دقة المرحلة بمسؤولية كاملة، ويبقى أن تكون القرارات بمستوى التحديات.
نسأل الله التوفيق والسداد لقادة دولنا، بما يحقق تطلعات شعوبنا بالأمن والاستقرار.
محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
وسط أجواء من التفاؤل والعزم على التقدم للأمام بمجلس التعاون، ليأخذ أدوارا تناسب المرحلة، وقرارات بحجمها، انطلقت قمة «النماء والارتقاء» والتي تنعقد في ظروف دقيقة، بل حرجة.. لتستكمل مسيرة ست قمم سابقة، استضافتها مملكة البحرين الشقيقة، منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي في عام 1981، ساهمت في ترسيخ المبادئ الأساسية التي قام عليها المجلس، وأسهمت في ترتيب بيتنا الخليجي الواحد، وحققت المزيد من التلاحم بين أبناء دولنا الست، وما يربطهم من مصير مشترك.
وقبل أن نخوض في حيثيات القمة وتفاصيلها وملفاتها، لابد من الإشارة إلى أننا لمسنا ردود الأفعال الإيجابية لزيارة خادم الحرمين الشريفين للدوحة، والتي كانت تاريخية بكل معنى الكلمة، فقد كانت حديث أروقة القمة والوفود الرسمية والإعلامية، التي رأت في حفاوة الاستقبال مجموعة من الدلالات المهمة، أبرزها ما تحظى به المملكة، وخادم الحرمين الشريفين من مكانة خاصة، ليس في دول الخليج فحسب وإنما على الصعيدين العربي والدولي.. كما أجمعت بأن دولنا الست مقبلة على مرحلة مفصلية ومهمة للغاية، وحقبة تاريخية واستراتيجية، تعكس قوة وترابط أواصر العلاقات بين دولنا وشعوبنا، وتقدم نموذجاً في العلاقات الدولية على جميع الأصعدة، وهو ما عكسته الكلمات التي ألقيت في الجلسة الافتتاحية، وبدأت بكلمة العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الذي أكد أن مجلس التعاون لم يعد أداة لتعزيز مكتسبات الشعوب الخليجية فقط، بل أضحى صرحاً إقليمياً يبادر إلى تثبيت الأمن والسلم الإقليمي والدولي، لافتا إلى دور المجلس الفاعل في وضع الحلول والمبادرات السياسية لحل أزمات دول المنطقة، ومنع التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية.
وتناول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ما تمر به المنطقة من أمور بالغة التعقيد، وأزمات، بما يتطلب العمل لمواجهتها والتعامل معها بروح المسؤولية، وتكثيف الجهود لترسيخ الأمن والاستقرار.
وهو ما تناوله أيضا أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، الذي أكد على ضرورة مراجعة الأسس والسياسات لمواجهة المخاطر والبحث عن مجالات التعاون التي تحقق المصالح العليا لدولنا.
قمة المنامة (2016) ربما تكون الأكثر أهمية، بسبب الظروف التي تمر بها منطقتنا، من جهة، وبسبب ما هو مطروح على جدول الأعمال من قضايا في غاية الأهمية.
وأود أن أشير هنا، بكل امتنان وتقدير، إلى جهود الأخوة في البحرين لتقديم كل ما من شأنه تمكين الإعلاميين من النهوض بدورهم على أفضل وجه ممكن، قبل الحديث عن جدول الأعمال الحافل بالموضوعات المهمة، وفي مقدمتها تعزيز العمل الخليجي المشترك في مختلف المجالات، خاصة لجهة تعميق المواطنة الخليجية، وصولا إلى إنجازات تكاملية أو وحدوية، من شأنها حماية دولنا وتشكيل درع حقيقي يقيها المخاطر ويمكنها من مواجهة التحديات الكبيرة، وهذا يستدعي مواقف موحدة حيال القضايا الإقليمية والدولية، تحقق الأمن والاستقرار لدولنا ولجميع الدول العربية، بما يحفظ وحدة وسلامة أراضيها، دون أن ننسى ظاهرة العنف والإرهاب، التي تستدعي إجراءات تحد من خطرها وتقطع دابرها.
ما تحدثت عنه يمكن اعتباره بمثابة عناوين رئيسية مطروحة أمام قمة المنامة، وإذا ما أردنا الدخول في التفاصيل، فإن هناك مجموعة من الملفات المهمة كما هو الحال بالنسبة للملف الإيراني واليمني والسوري، وهي متداخلة بصورة كبيرة، وتحتاج إلى تكاتف وتعاضد من أجل التوصل إلى حلول سلمية، تقوم على مبدأ التفاهم والتعايش السلمي الذي تؤمن به دولنا الست، وترى فيه الوسيلة المثلى لتجاوز الصعاب والمشكلات.
نحن طلاب سلام وأمن واستقرار، ومبدأنا حسن الجوار، وتبادل المنافع والمصالح، لكن ذلك لا يلغي بحال من الأحوال حقيقة وجود قلق، له أسبابه الماثلة أمامنا بوضوح، ومن يمعن النظر في التداعيات اليمنية أو السورية، سوف يجد أن هذا القلق له مبرراته، وهو يحتاج إلى استراتيجية مختلفة، تتسم بالحزم إلى جانب الدبلوماسية، إذ أن دولنا الست عازمة على منع أي محاولة لزعزعة استقرارها أو النيل من منجزاتها، لذلك كان الحديث قويا وواضحا وجليا في أروقة المؤتمر بأن منظومتنا الخليجية لابد من تطويرها لتكون قوية ومتماسكة، يدعمها في ذلك الروابط الأخوة ووحدة الدم والدين والتاريخ والهدف والمصير المشترك.
كما قلت فإن الحديث يدور أساسا حول التحديات الأمنية والاقتصادية وحتمية دفع العمل المشترك لتعزيز الأمن والاستقرار والرخاء الاقتصادي والاجتماعي، وردع التدخلات الخارجية، وهذا ليس بالأمر اليسير فأمام ما تواجهه منطقتنا لابد من إجراءات وقرارات لا تعرف «الحلول الوسط» أو المجاملة، لأن ما تتعرض له منطقتنا هو صراع تتزايد حدته ويستدعي قرارات تؤسس لاستراتيجية قادرة على مواجهة التهديدات الأمنية أو الأخطار الخارجية، ومع أن هناك منظومة متكاملة على هذا الصعيد، إلا أن المطلوب شيء أوسع من شأنه تكريس فكرة الأمن الجماعي بصورة أشمل وأكثر تأثيرا.
أعود لأجواء أروقة القمة التي عكست إحساسا عاليا بوحدة المصير والهدف، وقد كان لي شرف حضور عدة قمم خليجية، وللأمانة فإنني ألمس في هذه القمة تقاربا ورغبة في التلاحم والتعاطي مع التحديات الراهنة والأجواء المضطربة المحيطة بالمنطقة، عبر لقاءات مع مسؤولين وإعلاميين اتسمت أحاديثهم ومناقشاتهم بكثير من الجدية والمسؤولية، تماما كما هو حال المواطن الخليجي العادي، الذي رأيناه يبدي اهتماما استثنائيا بهذا الاجتماع، لعلمه بما تواجهه منطقتنا، وبالتالي فإنه يتطلع إلى قرارات تعطيه الإحساس العميق بالارتياح والثقة بالمستقبل.
وكانت فرصة لنقاشات ثرية، أجمع كل من التقيتهم على خطورة المرحلة، وعلى ضرورة الخروج بقرارات تلبي تطلعات شعوبنا، وتشكل درعا منيعا وسط متغيرات تستدعي تغيير نمط التعاطي مع هذه التحديات والارتقاء بالعمل المشترك إلى مراحل أوسع.
أود أن أشير أيضا إلى مشاركة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي كضيف شرف في القمة الخليجية، وهي تحمل دلالة مهمة على ما توليه دولنا من اهتمام لبناء شراكات قوية وراسخة من الدول الأوروبية، خاصة وأن هذه المشاركة هي الثانية من نوعها لزعيم أوروبي بعد مشاركة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في القمة التشاورية بالرياض، خلال العام الماضي، الأمر الذي يشير إلى حرص منظومتنا الخليجية على تعزيز الشراكة مع الأوروبيين وفق قيم مشتركة، تقوم على ترسيخ الأمن والاستقرار وتعزيز السلام.
خلاصة القول إن أجواء القمة عكست دقة المرحلة بمسؤولية كاملة، ويبقى أن تكون القرارات بمستوى التحديات.
نسأل الله التوفيق والسداد لقادة دولنا، بما يحقق تطلعات شعوبنا بالأمن والاستقرار.
محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول