لِعَقْلِكَ أن يحجزَ تذكرةَ سَفَر إلى بنغلاديش منبهرا بفكرةٍ صغيرة اختمرَتْ في ذهن رَجُل مختلِف قبل أن تتحول إلى فعل وحقيقة أحدثتْ ثورةً في تاريخ الفقراء.
كلما ذُكِرَ محمد يونس يُذْكَر معه بنك غرامين الذي حظي الرجُلُ بشرف تأسيسه. لكن ما مميزات بنك غرامين وفيم يختلف عن البنوك الأخرى؟!
تسمية بنك غرامين تفيد أنه بنك الفقراء، بمعنى أنه كان يدا رحيمة تمد العون في بداية الأمر للفقراء الذين عاثت في أرضهم المجاعة فسادا، وحاولوا العمل بطرقهم الخاصة برؤوس أموال يقترضونها من البنوك المعروفة وقتها، لكن ما فائدة اقتراض هؤلاء المساكين وعملهم إن كانت أرباحهم تتوجه مباشرة إلى المؤسسات التي يأخذون منها القروض؟!
البيت مجتمع مُصَغَّر، وبيت محمد يونس يسلط ما يكفي من الضوء على الدور الذي يؤديه أفراد البيت ومسؤوليته في توجيهك إما إلى التضامن وإما إلى الأنانية وحُبّ النفس حين تتجاهل قولَه تعالى: «وَيُوثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ» (سورة الحشر، الآية:9 ).
ولْنَنْظُرْ إلى الدور الذي أَدَّتْهُ أُمّ محمد يونس وهي تُرَبِّيه على أخلاق العناية بالفقراء والوقوف إلى جانبهم للحد من مآسيهم، لاسيما وأن محمدا لم يعرفْ شظفَ العيش في بيته.
مشروع محمد كان عبارة عن برنامج لمعالجة حالة الاقتصاد المتدهورة التي جرّت على الناس ويلات المجاعة.
كان محمد ينادي بتخصيص قروض للمستضعفين تُعفيهم فيها الجهات المختصة من الضمانات التي تحتاجها البنوك العادية، كان شغلُه الشاغل هو حَلُّ مشاكل الفقراء وليس امتصاص عَرَقِهم بالتفكير في الأرباح.
الفكرة لقيت ترحيبا عند البسطاء، لكن هل من رد يمكن تصوره عند الجهات المسؤولة سوى الأخذ بيد الناجح حتى يفشل؟! لن نقف هنا عند الإكراهات والتحديات التي كان على محمد أن يواجهها، لكن نقف عند الأذن التي كانت تحسن الإصغاء لمعاناة الآخرين المستضعَفين، نقف عند بصر محمد وبصيرته، وكلاهما جعله يقرأ في مَن حوله مِمَّنْ كَسَرَهم الزمنُ ما معنى مأساة تمشي على قدمين!
الإصلاح الاقتصادي يحتاج إلى تضافر الجهود لدفع عربة التنمية الاقتصادية إلى الأمام، صحيح أن فكرة محمد يونس كانت تحتاج إلى دعم قوي لتتبلورَ، لكنه لم يفقد الأملَ، هل تصدقون أن الرجل لجأ إلى اقتطاع جزء من ماله ليقدم قروضا صغرى لمن رأى من الحكمة والعدل أن ينصفهم ويفتح لهم بابا إلى الجنة؟! إنها جنة المسكين التي لا تخرج عن عمل بسيط يعود عليه بما يسدّ حاجته إلى الرغيف دون أن يُثْقِلَهُ البنك التقليدي بالفوائد الْمُسْتَحَقَّة الْمُقْتَطَعَة من قوت أهل بيته.
ولهذا كان محمد يونس جديرا بجائزة نوبل للسلام كما هي جديرة بالدراسة والاعتماد التجربة البنغلاديشية مع مُؤَسِّس غرامين الذي دعا إلى تخفيف فوائد البنوك على القروض الصغرى، قروض بدون ضمانات، مع تمديد فترة تسديد الأقساط.
نَافِذَةُ الرُّوح:
»أصعب الأقساط ما أؤديه بعُمْلَة الصمت في زمن الغياب».
»إذا أَحْبَبْتَ حَرفاً بقوةٍ امْحُه».
»قُلْ لَهَا يا صَوْتها: أهذا ما تستحقُّ العنادل مِن الوَرد؟!».
بقلم: د. سعاد دَرير