عندما بدأت اكتب عن سيرة شعب في الكويت وجدت اني احتاج إلى مجلدات، فقد عدت إلى عام 1932 واول بعثة تعليمية ارسلها الحاج أمين الحسيني من فلسطين إلى الكويت، فآثرت ان اتحدث عن زيارتي للكويت كأول عائد من الذين غادروها عام 1990.. كانت مشاعر مختلطة لحكاية جميلة وحكاية مؤلمة.. حين فتحت بوابة الخروج من المطار احسست.. احساس العائد لوطنه، فقد قضيت في هذا البلد عقدين ونيفا من الزمن وخرجت منه عنوة، احمل اطنانا من الحزن والالم، وانا اترك شقيقتي واهل زوجتي واغادر من مجهول سأتركه إلى مجهول لا اعلم ماذا يحمل لنا.. وجدت الكويت تختلف عما كانت عليه، تجمعات الفلسطينيين في النقرة وحَولّي وخيطان والسالمية والجهراء استبدلت بتجمعات آسيوية وصعايدة.. من عائلة آل برغوثي التي كان يزيد تعدادها عن 350 اسرة لم يبق سوى بضع أسر. كل قرية ومدينة فلسطينية كان منها عشرات العائلات التي هاجرت بعد النكبة إلى الخليج.. شويكة مثلا على حدود الخط الاخضر التي زارها الشيخ عبد الله السالم الصباح امير الكويت عام 1958 بدعوة من عمدتها لقضاء ليلة في القرية، قال له العمدة يوجد من القرية في الكويت 600 شاب يعملون في مختلف المهن.. وحين رأى انوار فلسطين المحتلة أمامه سأل: فقال له العمدة: نعم هذه محتلة من اليهود، فقال الشيخ عبد الله، طيب الله ثراه، سأعيد لكم الشباب ليقاتلوا ويحرروا ارضهم.. بعد عام 1990 كلهم عادوا إما شيابا واما مترفين مرفهين، كثيرون متكرشون لا يصلحون للقتال.. واسرائيل باتت رابع اقوى دولة في العالم عسكريا.الكويت هي الكويت، لكن هناك حاولت ان اجمع ذكريات عقدين من الزمن قضيتهما في ربوع هذا الوطن الجميل ضمنتها كتابي «رحلة إلى ضفاف الكويت».. ولم اعد افكر بالعودة إلى الكويت، لكن زوجتي واولادي الذين ولدوا في الكويت يأخذهم الحنين لمسقط الرأس ومرابع الطفولة.. فلا تغيب الكويت عن احاديثهم.. إلى حد القول نحن كويتيون.. فلا زالوا يذكرون مدارسهم واصدقاءهم الذين تشتتوا في العالم، ولم يبق منهم احد في الكويت، توزعوا ما بين استراليا وكندا واميركا الجنوبية وخاصة تشيلي التي يقيم فيها حوالي 500 ألف فلسطيني.. قلت لأولادي: الكويت جميلة ورائحة ترابها به عبق من طفولتكم البريئة وخطوط ثورتكم على رمال شاطئ الصليبخات!!