واقع الحال.. أصحو كل صباح، مغمض العينين، أهرع إلى السيارة، أجر خلفي حفيدي الاثنين، ألقي بهما أمام مدرستيهما، أدير مؤشر المذياع، أسمع موجز الانباء على عجل من محطات «قطر ومونت كارلو وبي بي سي والبحرين»، أستلقي من جديد على مقعد خارج المنزل.. لأحظى بإغفاءة جديدة على عجل.. أصحو على طنين «بعوضة» أراها بحجم «أباتشي» حين تهاجم أرنبة أنفي، أصفقها بكلتا اليدين، تسقط صريعة، أدلف إلى المطبخ، أنتظر مكافأة على إنجازاتي النهارية والليلية بيضتين مقليتين يليهما قهوة عربية أتناول فنجانين.. أدندن بأغنيتي الطفولية «أنا المحبوبة السمرا.. واجلى في الفناجين، وعود الهند من عطري.. وذكري شاع في الصين».
فيلمح سرب حمام كاظم الساهر ممتدا من بغداد إلى بكين، يطير النعاس من عيني الذابلتين أجلس إلى «الحاسوب» أتجول في ملفات الحشاشين والهوشات العربية، وكلها من أجل «انثى» اختارت شابا عربيا تراقصه في ملهى «اميركي» يغضب ترامب فيقرر شن حرب على دولة عربية.. يا إلهي هل لترامب غيرة على أنثى؟ نعم يغار فهذه الأنثى اسرائيلية، أشعر بجوع اتناول كوبا من الحليب، اجلس إلى الطاولة اكتب رسالتين، امزق ما كتبت، واطوي المغلفين، وأضع على كل منهما طابعين، أذهب إلى البريد المجاور.. أودعهما بقبلتين، أشعر بارتياح فلقد سجلت موقفا، موقفا.. فارغا، ليس مهما.. سجلت موقفا.. اذهب إلى عملي على عجل، اؤدي واجبي على عجل.
واقع الحال.. أن أكون على عجل.. اعود لمنزلي اتناول غدائي على عجل، أنام على عجل.. أعود إلى العمل من جديد.. كل شيء عادي.. فلسطين محتلة.. العراق محتل.. اليمن محتلة.. سوريا محتلة.. لبنان محتل.. سلامي لكم يا أهل الأرض المحتلة.. برنامج موجه للأهل في الداخل.. أي داخل.. داخل الوطن المحتل فلسطين.. والعراق.. وحلب.. مونت كارلو تسابق بي بي سي، ايهما يرسل رسائل شوق إلى الاهل في الوطن المحتل.
اتصلت: قلت سلامي لأهلي في الوطن المحتل.. لهجتي لم تكن عراقية ولا سورية ولا لبنانية ولا يمنية، فقال لي المـــذيع إلى أي وطـــن محـــتل تهدي سلامك.. قلـــت: الوطن العربي.
ضحك المذيع.. وأقفل السماعة لكن كنت على الهواء، وكان على الهواء.. كل الأهل في الوطن المحتل سمعوني، ووصلت الرسالة.. سلامي لكم.. واقع الحال.. أنا محتل.
نبضة أخيرة
قلبي محتل.. والمحتل أنثى لكن ليست اسرائيلية..

بقلم : سمير البرغوثي