+ A
A -
في محادثة «انترنتية» مع «مستشيرق» أي «مستشرق صغير».. كدت أصل إلى حالة من «الهلع» فما أن عرف محدثي انني مسلم حتى قال جادا: أنتم مجرمون!! محدثي تعلم العربية في مصر كما قال: وانه زار جميع الدول العربية، قبل الحادي عشر من سبتمبر.. قلت له متسائلا: حتى أستطيع أن أرد هذه التهمة: دعني أسأل: أين الجريمة: أجاب: كيف يسمح الإسلام بالذبح و بهدم تراث تاريخي إنساني في افغانستان؟! قلت: ان هدم التماثيل البوذية الرائعة في بانبان هي فعلة قامت بها فئة متخلفة ومنغلقة لا تمثل الإسلام والمسلمين، ولقد استنكر علماء الأمة الإسلامية هذه الفعلة الشنيعة، فقد قامت بعثة من علماء الدين الإسلامي بزيارة افغانستان وحاولت إقناع حكومة «طالبان» المخلوعة بعدم تنفيذ ما قررت فعله، ولدي في مكتبتي عشرات المقالات الإسلامية التي ترفض هذه الفعل الشنيع، وفي مكتبات الفضائيات العربية وثائق وأفلام تثبت ان الإسلام بريء من هذه الفعلة.. أجاب: لم أسمع، ولم اقرأ، وهذا كلام تقوله أنت: وهو غير صحيح. قلت: بالتأكيد انك لم تسمع، فنحن لدينا عجز ثقافي إعلامي في مخاطبة العقل الأوروبي فتلك الحادثة كانت هي القضية الأم في وسائل الإعلام الغربية، التي أرادت استغلالها -رغم انها الحادثة المحدودة في التاريخ لإدانة الدين الإسلامي ولكونك تعمل على دراسة العالم الإسلامي فإنني آمل ان تغوص في دراسة هذا العالم وحضارته وان تنزع الصورة التي غرسها من جاء قبلك من المستشرقين في عقلك وفي عقل الغرب عن الإسلام والذين غلبت على دراستهم مقولة تحريم التصوير في الإسلام، ولم يستطع من سبقوك إدراك الأبعاد الحضارية والأجواء الروحية والنفسية التي جعلت الشعوب السامية والحضارات التي نشأت في هذه المنطقة في فترات تاريخية محدودة تتجه إلى الأساليب الفنية التجريدية في الفنون التشكيلية رافضة اساليب التمثيل المستند إلى المنظور أو ما يطلق عليه الفنانون التشكيليون «البعد الثالث» والتراث الفني العربي الإسلامي والتراث الإنساني القديم والعريق الفينيقي في بلاد الشام، والآشوري في العراق والفرعوني في مصر ومن بعد السرياني والروماني والمسيحي ما زال قائما، وحافظت عليه الحضارة العربية الإسلامية طوال ما يزيد على خمسة عشر قرنا من الزمان، وأضفت قائلا: وبما انك تدعي الاستشراق بإمكانك ان تزور هذا التراث الإنساني وتسجله بأمانة، وتكتبه في دراساتك اذا كنت مستشرقا محايدا، مع ان الاستشراق عهد ولى في زمن الفضائيات المفتوحة.. توقف محدثي، وكأنه التقط أمرا مهما من حديثي، وقال: إذن انتم لا تملكون محامي دفاع ناجحا يستطيع ان ينزع الصورة المشوهة عن الإسلام في عقل الغرب.
قلت: نحن لسنا في حاجة لمحامي دفاع، نحن بحاجة إلى فعل لا إلى ردة فعل، نحتاج إلى ما يمكن ان ندعوه بالإعلام الثقافي قادر على نقل الصورة الحقيقية التي تتجلى فيها ثقافتنا المعاصرة وتقديم صورة مشرقة لتراثنا، اعلام يقوم على خطة تدرك أهمية الالتحام بين الثقافة والإعلام وتؤكد المضمون السياسي بمعناه الواسع للعمل الثقافي والإعلامي.. وهو امر من الصعب تحقيقه الآن في ظل «القُطرية» الضيقة، حيث يعمل كل بلد على تقديم ثقافته وحضارته منفردا، فتضيع الصورة، وتبقى تلك المغروسة في عقل الغرب التي روج لها المستشرقون القدماء وضخمتها وسائل الإعلام الغربية وهي ان المسلمين مجرمون وجريمتهم الكبرى انهم يحرمون التصوير.
أنهيت المحادثة ولا أدري فيما اذا اقتنع محدثي انني لست مجرما لكنه اختتم حديثه قائلا: قد لا تجدون الوقت لإثبات انكم كمسلمين حافظتم على تراث الآشوريين، فالحرائق حولت التراث إلى رماد وحولته إلى حطام في حلب والله أعلم إلى اين سيمضي الهدم والقتل.. فقد كتب علينا ان نواجه غضبا وانتقاما من قدمنا لهم عبر اندلس خلاصة الحضارات ليتفوقوا علينا.. ولم يعد لنا حاجة ما لم يتفق حكامنا على وحدة واحدة لا غيرها..
نبضة أخيرة
إن كان التوحد شفاء للتبعثر فأهلا به مرضا يعيدنا جسدا واحدا.
بقلم : سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
02/01/2017
1026