للإنسان مطالب وحاجات لا يكتمل وجوده وسعادته دونها، من أهمها الرغبة في الشعور بالأمان والحب وتحقيق النجاح في حياته الشخصية والاجتماعية والمهنية.
لا أحد فينا يريد أن يعيش حياة فقيرة فاشلة. ولا نعني بالحياة الفقيرة الناحية المادية تحديداً، فكثير من كبار الأثرياء حول العالم تعساء رغم كل ما يملكونه من مال ونفوذ. الحياة الفقيرة تعني أن تعيش محتاجاً لعطف الآخرين، أو تحيا وجوداً سطحياً دون أهداف تتخطى حدود ذاتك، وأن تكون عبداً للمال والمتع الآنية، وأن تحيا دون أصدقاء ولا أحبة تطوف في عالم المادة، بدلاً من الغوص في ثنايا العالم الروحي، حيث تكمن السعادة الحقيقية التي لا تُشترى بالمال.
كثيرة هي النصائح التي تدور حول النجاح وكيفية الوصول إليه. منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا، لا نزال نستقبل شتى صنوف الكتب والمحاضرات التي تخبرنا كيف يمكن للإنسان أن يتغلب على واقعه ويصنع مستقبله بيديه، حتى أصبنا بالتخمة من كثرة المحتوى المتعلق بهذا الشأن.
لا شك أن النجاح على الصعيد المادي يمنحك حياة ميسورة، ويضمن لك العيش الكريم دون أن تمد يدك إلى الغير طالباً المساعدة، إلى جانب كونه يمنحك الوقت للتمتع بتفاصيل الحياة الجميلة، والاستزادة من العلم، والالتفات إلى الطقوس الروحية أكثر مما لو كنت تعمل ليل نهار وأنت تركض خلف لقمة العيش، فلا تجد متسعاً من الوقت كي تقرأ، وتتأمل، وترحل فكراً وروحاً عن هذا العالم المادي قليلاً لتبحر في أرجاء عوالم أخرى أكثر اتساعاً وجمالاً وعمقاً.
النجاح الحقيقي ليس محصوراً بالجانب المهني أو المادي، ولا بأي صعيد دنيوي زائل يوماً. لهذا السبب يعاني أغلب الناس من التعاسة على اختلاف مشاربهم وأوضاعهم المالية. ذلك أن كل ما في الحياة ماضٍ إلى نهاية، وبالتالي فإن علّقت سعادتك على شخص أو شيء مادي، فإنه سيغادرك ذات يوم لا محالة، وستبقى حينها تعيساً مغموراً بذكريات الماضي التي تلاحقك حتى الممات.
يبدأ النجاح الحقيقي عندما يُكسر قلبك، ويخيب ظنك بصديق أو حبيب أو قريب، عندما يظلمك صاحب قوة ونفوذ، عندما تتحطم بعض أحلامك أمام ناظريك رغم كل ما بذلته في سبيل تحقيقها، عندما تشهد المعاناة والألم الإنساني كل يوم ولا تستطيع فعل الكثير للحيلولة دونه، وبالأخص عندما تيأس من الناس وخذلانهم المتكرر لك؛ فتلجأ إلى الله وحده ليغنيك عمن سواه.
حين تصل إلى مرحلة تدرك فيها أن كل زخارف الدنيا وشخوصها لا يمكن أن يملأوا ذاك الفراغ الذي يتسع في داخلك يوماً بعد يوم؛ عندها فقط ستعرف الطريق الصحيح؛ الطريق إلى الله حيث السعادة والنجاح الحقيقي.
لا شك أن هناك سعادة ونجاحاً دنيوياً جميلاً، ولا بأس في أن تطلب شيئاً من ذلك في حدود المعقول. لكن أن تعلق كل آمالك على أشخاص أو أشياء دنيوية، فهذا يعني أنك غريق يتعلق بقشة لا يمكن لها أن تنقذه مهما تشبث بها؛ لأن القشة أضعف بكثير من أن تحمل على عاتقها مهمة إنقاذ ذاك الكيان الكبير.
ابدأ في تأمل الكون كل يوم، وابتعد قليلاً عن وجودك المادي مهما كنت مشغولاً ومضطراً إلى العمل لساعات طويلة، واخطف بضع لحظات أو دقائق تقضيها في التفكّر والتوجه إلى الله خالق كل شيء.
فالله وحده القادر على ملء تلك الفجوة في داخلك، ودونه ستبقى تدور في نفس الدائرة المفرغة طول العمر، حتى تدرك أن الكون بكل ما فيه أشبه بقشة، وأن الخالق هو الكيان الأعظم القادر على انتشالك من قعر الخيبة ووضعك على الطريق الصحيح الموصل إلى النجاح الحقيقي، إلى النور الأبدي الذي سيغمر كيانك بالسعادة والسلام الداخلي.