+ A
A -
أسأل نفسي دائماً: هل نجحت في تربية أبنائي؟! ويكون الجواب «لعم» بالإذن من روح الرئيس ياسر عرفات صاحب هذا المصطلح الذي قادنا إلى ما نحن فيه الآن على مستوى القضية الفلسطينية.
وأسأل لماذا «لعم».. مع أنني أمارس التربية نفسها على جميع أبنائي؟، ولم تكن الإجابة صعبة، حيث أجد أحدهم ملتزماً بصلاته، وصيامه، يعرف كيف يختار الرفقة الصالحة، لا يقاطع محدثه، لا يسخر ولا يقلد آخر ولو من باب المزح، لا يرفع صوته، يحترم الكبير، يعتذر عن الخطأ بسرعة دون تكبر، ولا يجلس ماداً قدميه أمام الأبوين أو الكبار بشكل عام، لا يتجشأ أمام أحد متعمداً، يضع يده على فمه عند العطس والتثاؤب، منظم، يسمي باسم الله عند بدء الأكل، يأكل باليمين ما يليه، يحترم المواعيد، لا يسيء استعمال الهاتف فيما لا طائل من ورائه، يستعمل الهاتف بإذن، لا يعطي رقم الهاتف لأحد إلا بعد الوثوق بأخلاقه والتعرف الجيد به، ويحترم ويقر العلماء.
وأجد أحدهم يخالف ذلك، واقف مذهولاً..!! فكم عملت على ألا أكثر من النصح المباشر وأعتمد مبدأ التربية بالنظرة أو الإشارة، واحرص على دماثة اللفظ واستعمال الكلمات اللطيفة في التعامل معه.. لكن لماذا يختلف ويتفق مع شقيقه في كثير من الأسس؟ أسأل نفسي.. فقد أكون أخطأت في التربية، مع حرصي على توفير التعليم الراقي، وفتح آفاق الثقافة المتنوعة لهما.. كما أجد أن تقبل واحدة من بناتي لأسلوب تربيتي، يختلف عن تقبل الأخرى، فهذه ملتزمة، تنفذ ما في كتاب الله من أوامر، فتضع الحجاب، ولا تبدي زينتها لأحد، تبعد عن لهو الكلام، تستمع إلى الأحاديث المفيدة، وشقيقتها تختلف عنها في تقبل نصائحي.. رغم محاولتي أن أكون رقيقاً ومهذباً ومعلماً وإنساناً وافتح أبواب الحوار والنقاش، وأحياناً أظهر غضبي وحزني، ولكن أجد أنها تختلف في تقبلها لتربيتي عن تقبل شقيقتها.. لماذا؟! وقد لا تكون الإجابة صعبة، فابني المختلف وابنتي المختلفة، لهما أصدقاء.. ويعيشان في مجتمع، ولا يريان أن هذا المجتمع على خطأ، خاصة أن أخلاقهما- وفق رؤيتهما- تلتقي مع هذا المجتمع وليس بالضرورة أن يتلقيا كامل تربيتهما من والديهما.. وقد اتفق معهما، ولكن اختلف أيضاً، ففي المجتمع تناقضات، ولا يتفق الآباء في أسلوب التربية.. ولو كان هناك اتفاق على أسس في التربية، لكان جميع أفراد المجتمع في نفس الأخلاق والسلوكيات.
فنحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم.. فكثير من الآباء يعتقدون أنه بتوفير التعليم العالي والراقي يضمنون حصول أبنائهم على تربية سليمة وراقية.. لكن المجتمع المدرسي والجامعي لا يستطيعان أن يغرسا المبادئ كما يغرسها الآباء والأمهات، وإذا فشل الآباء في اختيار الرفقة الصالحة للابن أو للابنة، فإن هذه الابنة أو الابن سوف يتأثران بأخلاق أترابهما وكثيراً ما يعمد الآباء إلى الإكثار من النصح المباشر، مما يدفع الملل لدى هؤلاء الأبناء ويجدون في تصرفات بعض أصدقائهم هي الأفضل للاقتداء بها.
وإنني أشير إلى هذه القضية فإنني أتطلع إلى أن نتفق جميعاً على أسلوب تربية واحد لنخلق جيلاً متماسكاً في تربيته ومن ثم يكون الجيل الذي يليه على قدر أكبر من التجانس، ونحن في عصر المتغيرات العلمية والتكنولوجية أحوج ما نكون إلى تجانس التربية، فعلينا أن نقف عند أي لفظ سيئ يتفوه به الأبناء أو سلوك غير طيب صدر عنهم ونحاول تقييمه، والأكثر من ذلك أن نكون قدوة فنحرص على تصرفاتنا أمامهم، لنكون قدوة لهم في حياتهم ونعمل على تقييمهم بكل الوسائل، قبل أن يكبروا وحينها لا تجدي النصائح ولا القيم ولا العصا.. وتنفلت الأخلاق وإذا ضاعت الأخلاق، ضاعت الأمم..
نبضة أخيرة
فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
بقلم : سمير البرغوثي
وأسأل لماذا «لعم».. مع أنني أمارس التربية نفسها على جميع أبنائي؟، ولم تكن الإجابة صعبة، حيث أجد أحدهم ملتزماً بصلاته، وصيامه، يعرف كيف يختار الرفقة الصالحة، لا يقاطع محدثه، لا يسخر ولا يقلد آخر ولو من باب المزح، لا يرفع صوته، يحترم الكبير، يعتذر عن الخطأ بسرعة دون تكبر، ولا يجلس ماداً قدميه أمام الأبوين أو الكبار بشكل عام، لا يتجشأ أمام أحد متعمداً، يضع يده على فمه عند العطس والتثاؤب، منظم، يسمي باسم الله عند بدء الأكل، يأكل باليمين ما يليه، يحترم المواعيد، لا يسيء استعمال الهاتف فيما لا طائل من ورائه، يستعمل الهاتف بإذن، لا يعطي رقم الهاتف لأحد إلا بعد الوثوق بأخلاقه والتعرف الجيد به، ويحترم ويقر العلماء.
وأجد أحدهم يخالف ذلك، واقف مذهولاً..!! فكم عملت على ألا أكثر من النصح المباشر وأعتمد مبدأ التربية بالنظرة أو الإشارة، واحرص على دماثة اللفظ واستعمال الكلمات اللطيفة في التعامل معه.. لكن لماذا يختلف ويتفق مع شقيقه في كثير من الأسس؟ أسأل نفسي.. فقد أكون أخطأت في التربية، مع حرصي على توفير التعليم الراقي، وفتح آفاق الثقافة المتنوعة لهما.. كما أجد أن تقبل واحدة من بناتي لأسلوب تربيتي، يختلف عن تقبل الأخرى، فهذه ملتزمة، تنفذ ما في كتاب الله من أوامر، فتضع الحجاب، ولا تبدي زينتها لأحد، تبعد عن لهو الكلام، تستمع إلى الأحاديث المفيدة، وشقيقتها تختلف عنها في تقبل نصائحي.. رغم محاولتي أن أكون رقيقاً ومهذباً ومعلماً وإنساناً وافتح أبواب الحوار والنقاش، وأحياناً أظهر غضبي وحزني، ولكن أجد أنها تختلف في تقبلها لتربيتي عن تقبل شقيقتها.. لماذا؟! وقد لا تكون الإجابة صعبة، فابني المختلف وابنتي المختلفة، لهما أصدقاء.. ويعيشان في مجتمع، ولا يريان أن هذا المجتمع على خطأ، خاصة أن أخلاقهما- وفق رؤيتهما- تلتقي مع هذا المجتمع وليس بالضرورة أن يتلقيا كامل تربيتهما من والديهما.. وقد اتفق معهما، ولكن اختلف أيضاً، ففي المجتمع تناقضات، ولا يتفق الآباء في أسلوب التربية.. ولو كان هناك اتفاق على أسس في التربية، لكان جميع أفراد المجتمع في نفس الأخلاق والسلوكيات.
فنحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم.. فكثير من الآباء يعتقدون أنه بتوفير التعليم العالي والراقي يضمنون حصول أبنائهم على تربية سليمة وراقية.. لكن المجتمع المدرسي والجامعي لا يستطيعان أن يغرسا المبادئ كما يغرسها الآباء والأمهات، وإذا فشل الآباء في اختيار الرفقة الصالحة للابن أو للابنة، فإن هذه الابنة أو الابن سوف يتأثران بأخلاق أترابهما وكثيراً ما يعمد الآباء إلى الإكثار من النصح المباشر، مما يدفع الملل لدى هؤلاء الأبناء ويجدون في تصرفات بعض أصدقائهم هي الأفضل للاقتداء بها.
وإنني أشير إلى هذه القضية فإنني أتطلع إلى أن نتفق جميعاً على أسلوب تربية واحد لنخلق جيلاً متماسكاً في تربيته ومن ثم يكون الجيل الذي يليه على قدر أكبر من التجانس، ونحن في عصر المتغيرات العلمية والتكنولوجية أحوج ما نكون إلى تجانس التربية، فعلينا أن نقف عند أي لفظ سيئ يتفوه به الأبناء أو سلوك غير طيب صدر عنهم ونحاول تقييمه، والأكثر من ذلك أن نكون قدوة فنحرص على تصرفاتنا أمامهم، لنكون قدوة لهم في حياتهم ونعمل على تقييمهم بكل الوسائل، قبل أن يكبروا وحينها لا تجدي النصائح ولا القيم ولا العصا.. وتنفلت الأخلاق وإذا ضاعت الأخلاق، ضاعت الأمم..
نبضة أخيرة
فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
بقلم : سمير البرغوثي