+ A
A -

إن اختصار الأمر في دور الطورانية التركية والقومية العربية في انقسام الأمة بأنه مجرد حركة مخابرات سريعة تلاقت مع الصهيونية هو تسطيح كبير لهذه الأزمة التاريخية ذات الجذور الصعبة المتداخلة حتى في فهم العلاقة بين العرب والأتراك والإسلام، وبين الإسلام والحكم السياسي باسمه، وبين تقديم مرجعية الوحدة الإسلامية لأمم الرسالة، على مفهوم الإسلام الشعبي أو القومي الذي ينتشر في هذا القُطر أو تلك الولاية. وبقاء هذا الحاجز الضخم بين العرب والأتراك وعودته اليوم، في ظل تصدر قضية اللاجئين العرب للمسرح السياسي التركي، واتكاء الجميع في الحكم والمعارضة على روحهم القومية التاريخية، وتأثير ذلك على علاقتهم مع العرب، هو من آثار إهمال هذا الملف وتبادل الاتهامات فيه، بدلاً من دراسة الأزمة الثقافية بعمق ووضع إطار فكري أخلاقي إسلامي لمعالجتها، وبدأ تنشئت ضمير الأمة الجديد في الأجيال المسلمة عليها. إننا اليوم بحاجة ماسة إلى إحياءٍ مختلف لمفهوم الجامعة الإسلامية، فلم يعد هناك مساحة للاشتباك معه مقروناً بالولاء لتركيا الجديدة أو تركيا العثمانية، وخاصة بعد مبادرات تركيا الأخيرة، في تحسين علاقاتها وتعزيزها مع تل أبيب وطهران والأنظمة الرسمية العربية، لسنا بصدد نقده اليوم، لكن المهم هو ضرورة الخروج من مفهوم الولاء المطلق للعثمانية الجديدة، ثم وضع التحليل السياسي له بحسب هذا الولاء، فهذا فشل كبير وهرطقة مضللة. إن حاضر العالم الإسلامي اليوم بحاجة إلى إحياء هذا المفهوم، في إطار فكري يحتاج أن يجمع بين الشعبي والعلمائي المستقل وبين الشخصيات الرسمية، فأي انفصال يعزل المؤسسات والشخصيات الرسمية عنه، لن يُعطي نتيجة تنفيذية كافية تقوي بنيان هذا العالم المسلم، الذي يتعرض لهجوم جديد، انتقل من الحصار السياسي والابتزاز الاقتصادي، إلى مهاجمة الجوهر الإسلامي، وإسقاط الحاجز الفاصل بين ضمير الأجيال الشابة وبين الفكرة العدمية التائهة، التي يُروّجها الغرب ويحلب فيها مصالحه. وهذا لا يعني أبداً التهوين من جناية ومسؤولية أنظمة رسمية وشخصيات مستبدة، لكن توحيد أي جهود ومواقف لشخصيات رسمية مع الجهود الشعبية، لمواجهة ثلاثية أزمة الانهيار الثاني لحاضر العالم المسلم، هو قوة لصالح هذه الشعوب ومقاومة قيمها، أمام رياح العولمة الخبيثة، التي تفتك بوجدان الشباب والأسرة المسلمة، ثانياً إن مهمة هذه الجامعة والتي يُفضّل أن تنطلق في أكثر البلدان حيادية بين الشعوب والأنظمة كماليزيا، أن تسعى لإخراج بلدان العالم المسلم من أزمات الصراع السياسي والدموي، ثم تخلق بينها استراتيجيات مصالح مشتركة لتبادل المنافع الاقتصادية، لصالح أقطارها لا مصالح الغرب. وهو هدف ثابر على تحقيقه عدد من الإصلاحيين الأمميين الإسلاميين، رغم تعدد مشاربهم، ورغم الواقع البعيد عنه إلا أن إعادة بعثه أفضل من عودة الغرب لتقسيم المقسم المسلم، وتحويله لعربة مصالح لرأسماليته الجديدة، وعولمته الفكرية الخطيرة، وهذا يعني بالضرورة تنظيم إطار لمناقشة عودة الجامعة الإسلامية، في إطار مصالح المسلمين الجامعة لهم، في أفريقيا وفي آسيا، ورابطتهم مع الأقليات الضخمة في الغرب. وهو عدد كبير يصل إلى 60 مليون نسمة، فحين تتشكل المؤسسة الراعية للفكرة، والتي لا بد أن تتجنب أي موقف صدامي للاشتباك السياسي الداخلي مع الدول المسلمة، دون أن تُعزل القوى المستقلة عن الأنظمة، حينها ستنطلق رحلة التبشير بالفكرة. وهي رحلة ستستغرق زمناً ويعتمد تفعيلها تنفيذياً، على مستويات عديدة بين العلماء والمفكرين المسلمين، وحتى غير المسلمين المقتنعين بأهمية تنظيم رابطة حاضر العالم المسلم، لمسلميه ولأقلياته المتعددة، فمن أهم الأمور التي يحتاج أن يضطلع بها حاضر العالم الإسلامي، تعزيز الجسور والعلاقات الوطنية والإنسانية والحقوقية المشتركة، بين كل أتباع الأديان والمذاهب، في إطار التعاون والمصالح المشتركة. وتحييد القوة الغربية بأقصى قدر عن استخدام ورقة التفرقة بين المسلمين ومواطنيهم، لإضعاف أو ابتزاز المجتمعات الشرقية، والقيم المشتركة هنا ليست مواسم سياسية تُقدّم للتملق للغرب، أو المركز الصهيوني أو أحزاب التطرف في العالم، ولكن الجامع الإنساني المشترك الذي أقره الإسلام. إن انتقال المؤسسة الراعية للفكرة إلى مستوى الدول والمسؤولين، مهم جداً للغاية فهذا الأمر يترتب عليه دعم فكرة المصالحات الوطنية، والتوسط لإطلاق المعتقلين، كمقدمة لنقل الدول المسلمة من مرحلة الصراع الدموي أو السياسي الحدي العدائي، إلى الصراع السياسي أو الخلاف والتنافس المشروع، ولو بحدٍ أدنى فالفكرةُ هنا، هو أن الانهيارات التي تضرب في دول حاضر العالم المسلم، لن تخلق له مساحة استقرار ولا نهضة دون سلم أهلي يخلق مقدمات للتنمية الفكرية والعمرانية والأخلاقية، وممانعة أمام عودة الزحف الجديد للكولونيالية الغربية السياسية والفكرية بشقيها الأوروبي والروسي.

copy short url   نسخ
12/06/2022
60