رجل عرفته منذ وطـأت قدماي أرض مطار الدوحة عام 1995 لتمتد علاقة معه حتى اليوم منذ اصطحبني في سيارته الجيب إلى سكن الوطن مع الزميل مازن حماد مدير التحرير حتى اليوم.. سأفرد لها فصلا من كتاب.. علاقة ود وأخوة وتسامح.. وعطاء وكان هو من صنع هذا الجمال في بسمته وتسامحه، تمرض يعودك.. تحتاج أمرا تجده إلى جانبك.. وفي أوقات عصيبة يتعصب لـالوطن ولموظف الوطن فالعمل هو الأساس.. يغضب اذا حصل وهن.. لكن يحمل قلبا يتسع الدنيا.. هو إنسان وشعاره الاحسان.. عايشته في البدايات يجوب البلاد شمالا وجنوبا يوطد العلاقة مع الإنسان والمكان لمصلحة الوطن.. يصفق لمن يحقق «التارجت».. أي الحد الأعلى من المطلوب في التسويق ويحفز من يقصر وعايشته في الوسط وجدته بنفس الروح، واليوم وفي النهايات - بالنسبة لي- أجده بذات النسق وبنفس الهمة.. أخي وصديقي أبا غزال.. كلمات قليلة لا تكفيك حقك..

صديق زميل افترقنا بعد الثانوية العامة لم نتبادل العبارة التقليدية الروتينية «الحمد لله على السلامة» حين التقينا بعد أكثر من ثلاثة عقود من افتراقنا.. كنت عائدا من الكويت إلى عمان بعد الغزو عام 1990، وكان عائدا من عمله في إجازة حيث يعمل أستاذا للادب الانجليزي في جامعة عربية مرموقة.. اخرج لي رسما تشكيليا ليرحب بي على طريقته، فقد كان هاويا للرسم، واخرجت له مقالاً.. كان آخر مقال كتبته في صحيفتي التي كنت اعمل بها.. الرسم والمقال التقيا.. في شرح الصورة الضبابية للعالم العربي بعد الغزو. ولكن هناك أمل.. حصان في البعد المتناهي للرسم يحاول اختراق الجدار الحديدي فقد ظهر رأسه، وقدماه الاماميتان.. فيما اشرت في مقالتي إلى رأس طفل أطل من الرحم سبقته يداه..
جلسنا، تحدثنا. مزق رسمه، ومزقت مقالي رشفنا بعض القهوة، ونفثنا دخان النرجيلة كان لونه ابيض. مصحوبا بدخان اسود..
انهم لا يهتمون يا سيدي.. بما نرسم، وبما نكتب، فالطفل سيعود للرحم، والحصان سيعود إلى حظيرته..
ابحث عن زوجة قال، سألت: أبعد هذا العمر يا رجل مع زوجتك الأولى.. ضحك صديقي القديم وقال: لم اتزوج من قبل.
ان الشيب في الذؤابتين مما تبقى من شعر رأسي لا يعيبني، فجيبي مليء والحمد الله، ووضعي الاجتماعي اكثر من ممتاز..
التقيته بعد بضع سنوات متأبطا ذراع صبية دون العشرين، فابتسم وابتسمت وسألت: هل استشاروها؟
خجلت الزوجة، واطرقت رأسها في الارض. قلت هي الآن في السابعة عشرة وانت في السابعة والاربعين، أي عندما تصبح هي في الثلاثين، تكون انت قد سلمت اوراقك لعزرائيل.. قال: انني انتظر مولودي الأول.
ثلاثون عاما ليست فرقا بين زوج وزوجة اخرج لي رسمة، مولود خرج من الرحم.. وامامه انفجار سيارة ملغومة.. والمولود ممسك بمطفأة حريق.. كتب عليها جيل المستقبل..
في سوريا، في ليبيا، في تونس، في اليمن في مصر ربيع عربي سقط فيه الآلاف على مذبح الحرية.. وفي فلسطين مشغولون في أن يحصلوا على متر ليقيموا عليه دولة بدل السلطة.
انها حامل بتوأم قال صديقي.. واتطلع إلى توأم آخر، انني اسابق الزمن لأنجب اكبر عدد من الابناء قبل ان ينتشر الحريق.. حتى يكون لي عزوة تساندني حين اترشح للرئاسة الاميركية في العام 2050!!
قلت له: الحمد لله على السلامة.. افترقنا.. ولا ادري كم اصبح عنده من الابناء، وأي لوحة رسم في هذا الزمن المليء بالمتناقضات.
نبضة أخيرة
قال لها: شابت الذوائب!.. قالت له: يهمني قلبك ينشدني لحنا يعيد لي ابتسامة أضعتها في البحث عن الغد!.

بقلم : سمير البرغوثي