كانت «سيمونا مانثانيدا» أمهر خياطة في مدينة «لاباث» في بوليفيا. كانت تخيط سُتراتٍ أنيقةً جداً، ولم يكن بإمكان أحدٍ منافستها.

ولكن براعة سيمونا وصلتْ أبعد من هذا بكثير، كانت على بساطتها امرأةً ثورية، تحاربُ الاستعمار على طريقتها، كانت تُخبئ رسائل الثوار، وخرائط الطرق، بين ثنايا السُترات التي تحيكها! رسائل وخرائط ساهمت إلى حد بعيدٍ في تحرير بوليفيا.

ولكن قبل التحرير بفترة وجيزة، وُشيَ بها إلى المستعمرين، فحلقوا شعرها، ثم أركبوها على حمارٍ وهي عارية، وجالوا بها الشوارع، وفي الطريق إلى الميدان العام في لاباز كانوا يجلدونها، ثم أخيراً أطلقوا عليها رصاصة في ظهرها، فماتت!

لم تُسمعْ لها أنةٌ واحدة، كانت طوال حياتها تردد مقولتها الشهيرة: لا تُظهِرْ ضعفكَ لعدوِّكَ!

الشجاعة ليست أن لا تخاف، وإنما الشجاعة هي القدرة على كتمان مخاوفك، وعدم السماح لها أن تظهر على ملامحكَ! لا يوجد إنسان إلا وطرقَ الخوفُ باب قلبه مرَّة. نحن في مشاعرنا بشر، ولا يستطيع أحد أن يُغادر قفص بشريته، ولكن بإمكان الإنسان أن يقف منتصباً كالجبل ولو كانت روحه جاثية على ركبتيها!

تستوقفني كثيراً دقة التعابير في القرآن، وأتلمسُ المفردات، أتذوقها، أرسم بها صورة كاملة للمشهد، أحاولُ أن أرى فيها الإنسان من الداخل بعد أن أماطتْ عنه اللثام!

في يوم الزينة، ذاك اليوم المشهود الذي كان فيه نزال موسى عليه السلام مع سحرة فرعون، ألقى السحرة حبالهم وعصيهم أولاً، «فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ»، كليم الله، وواحد من أولي العزم من الرسل يخاف!

ولكنه خوف ظلَّ حبيس الصدر هُنيهة، إلى أن بدده قول ربنا له: «لَا تَخَفْ»!

الناس ساديون للأسف! يُحبُّون أن يروا أثر ضرباتهم! يستمتعون بالألم الذي يسببونه للآخرين! فتماسكوا جيداً، ولا تُظهروا لهم أثر الضربات فيكم، لا تئنوا تحت وطأة طعناتهم، أنينكم يُطربهم!

أفسِدُوا عليهم نصرهم! اِنزعوا خناجرهم من ظهوركم دون أنين، لا تُظهروا شوقاً للراحلين عمداً ولو اشتقتم، لا ترضخوا لقلوبكم، أظهِروا لهم أنكم بخير ولو لم تكونوا كذلك، وأن الحياة تسير إلى الأمام ولو كنتم مصلوبين على خشب غيابهم، ثمة مواقف على المرء أن يبدو فيها جسوراً رغماً عن قلبه، هذا نصركم، وإن عادوا إياكم أن تفتحوا لهم الأبواب، علموهم احترام الفرص!