هل أتاكَ حديثُ هاري؟ هاري إيّاه، الأميرُ الوسيمُ الرومنسيُّ الذي تركَ قصر باكينغهام وتبعَ قلبه! هل رأيته وهو يمسكُ بيد «ميغان» في مشهدٍ دافىءٍ كأنه لقاء الأمير مع بياض الثلج بعد أن لفظت التفاحة المسمومة؟ وهل شاركتَ في حملةِ الإعجاب بهذا العشق، وأخبرتَ كل نساء الأرض أنَّ الرجال يُحبُّون بصدقٍ ويفعلون المستحيل لأجل محبوباتهم؟ وأنتِ أختي الكريمة التي تغرقين في شبر ماء، هل تحسَّرتِ على حالكِ أنكِ ولدتِ في بلاد العرب المتقشفة في العواطف؟ على أية حالٍ هذا هو المشهد الذي أُريدَ لكم أن تروه، ولكن ما من مشهدٍ ظاهرٍ إلا ووراءه مشهد مخبوء، ومهما حاولت الماشطة جهدها إلا أنَّ الوجه العَكِر يطلُّ نهاية المطاف!
في مطلع هذا العام نشرَ سُمُوُّه كتابه «Spare»، وهو مُذكّرات شخصيّة، يذكرُ معاليه فيها أنه قتلَ خمسةً وعشرين أفغانياً خلال مشاركته في الحرب هناك، وأنه لا يشعرُ بالخجل أبداً! كما أنه كان يتعاطى المخدرات! عموماً كل هذا لا يهمُّ، المهمُّ أنه رومانسيٌّ، يشتري الورد لحبيبته، ونحن قوم نطيرُ في العِجَّة!
هذه البشرية تعاني من انفصامٍ رهيبٍ في الشَّخصية، خُذْ عندكَ مثلاً، مجلس العموم البريطانيِّ عقد جلسةً منذ أيامٍ بطلبٍ من النائبة البرلمانية «بيل ريبيرو» لمناقشة قضية دهس القطط في الشوارع! مجلس العموم الموقّر الحزين للقطط المدهوسة هو نفسه الذي شرَّع إلقاء أطنان القذائف على أطفال العراق!
الأمر يُشبه الانفصام الذي نراه عندنا، ذاك الذي يسأل عن حكم السواك في رمضان وهو يأكل الربا! ويسأل عن حكم طعام أهل الكتاب إذا سافرَ وقد أكلَ حقوق إخوته في الميراث!
انفصام لا تكفيه كل علامات التعجب التي تمَّ استخدامها منذ أيام الخليل بن أحمد الفراهيدي حتى يومنا المنفصم هذا! كل واحدٍ يريدكَ أن تُثني على وجهه الجميل وتشيد به، وأن تضع يديك على عينيكَ ولا تنظر إلى وجهه القبيح! ومشكلة انفصام الشخصية أنَّ المنفصم لا يرى انفصامه، ويفترض أن الآخرين لا يرونه أيضاً، كالنعامة التي تدفنُ رأسها في الرمال وتحسبُ أن ما تبقّى من جسدها الضخم غير مكشوف، وتريدُ من الآخرين أن يتعاملوا معها على هذا الأساس!