بين النوم والصحو تقفز إلى منطقة الوعي صورة قديمة شهدتها طفلا في حفل الختان «الطهور» احاول اعادتها إلى اللا وعي كلما قفزت فأفشل.. ففي تلك الاجواء الاحتفالية في تلك المناسبة التي امتدت منذ زمن سيدنا ابراهيم عليه السلام حين تقرر «الختان» فكان أول رجل في التاريخ يجري «ختانه».. وقد توارثتها الاجيال التي آمنت بابراهيم نبيا ورسولا.. واصبح الختان مناسبة قومية يجد البسطاء فيها انتماء دينيا إلى المسلم الحنفي ابراهيم عليه السلام. في تلك الليلة، وبعد ان افقت من اغماءة «الختان» وبعد جلسة في مغطس ملح.. خرجت ممسكا بثوبي حتى لا يلصق بمكان الختن.
ووقفت اشهد تلك الحفلة.. التي يحييها «دراويش» ورثوا فنهم منذ العهد الفاطمي، فكانت هذه الصورة المغروسة في اللاوعي.. ففي غمرة الضوء والايقاع تجلى الدراويش في رقصهم فمع صوت الناي المتصاعد دخل الدراويش إلى المسرح، قائدهم يلتف بعباءة سوداء طويلة، وعلى رأسه طربوش دقيق طويل وهم في عباءات بيضاء من قطعتين وعلى رؤوسهم، ذات الطرابيش المستدقة، طبول خفية يعلو دقها.. وصوت رخيم عميق خفي ايضا ينطلق في المسرح.. فينطلق الدراويش في رقصهم.
لاحظت البداية.. اليدان مكتفتان على الصدر، والراحتان على المنكبين متخالفتان، «الراحة اليمنى على الكتف الايسر، والراحة اليسرى على الكتف الأيمن» انحنوا جميعا في تحية عميقة بطيئة، ثم صعدوا وبدأوا الدوران محررين الايادي لتنزل ببطء ويعودون إلى رفعها بذات البطء وعند وصولها إلى مستوى الكتف يفتحون المرافق ويرفعون الايدي إلى اعلى من الرأس بزاوية مفتوحة قليلا فيما الوجوه تعلو في حالة تضرع إلى الله، وتكون التنورة البيضاء قد تحولت إلى دائرة واسعة، وتهدأ الموسيقى ويستمر الدوران، تسكت الموسيقى فيخفت دوران الدراويش ويعودون إلى تكتيف الذراعين كما بدأوا وتنغلق التنورة المفتوحة تلتف على جسم الدرويش النحيل كأنها شراع يطوي على نفسه معلنا خاتمة الابحار ويعلو الغناء فينحني الدراويش بعد الجمود ويصعدون في بطء ثم تخفت الاضواء لتعود العتمة البنفسجية التي ينسل عبرها الدراويش فكأنهم لم يكونوا في المكان أبدا أو انهم طيف عبر أو حلم تلاشي.. والغناء يستمر بالتركية أو الفارسية لا ادري ولكن لا افهم من هذا الغناء المأخوذ من اشعار مولانا جلال الدين الرومي سوى«اشكر ربي» و«لا إله إلا الله» هؤلاء الدراويش، بكل بساطتهم وحركاتهم من البدء حتى الخاتمة في ظاهرها «صوفية» وفي جوهرها رفض للواقع. بالتجلي وتغييب العقل والذاكرة عما يجري.
عربي مثلي.. استمع إلى خطاب ترامب.. وشاهد طائرات بوتين.. واستمع إلى استغاثة نساء وصبايا وشيوخ بالإسلام والمسلمين بالمسيحيين والمؤمنين.. ورأى الجيش العراقي يسب الذات الالهية ويقتل شباب الموصل من اهل الله السنة شباب يسحل ويعذب ثم يقتل.. وصرخات ولا من مجيب..الذبح مستمر فرقص الدراويش هو الحل «الله حي.. الله حي.. الله حي».
نبضة أخيرة
أشد عذابات الروح هجر الروح للروح.

بقلم : سمير البرغوثي