قالَ جعفرُ الصائغ: كانَ في جيرانِ الإمام أحمد بن حنبل رجلٌ مُقبِلٌ على المعاصي، فجاءَ يوماً إلى مجلسِ أحمد يُسلِّمُ عليه، فكأنَّ الإمام لم يَرُدَّ عليه رداً تاماً، وانقبضَ منه.

فقالَ له: يا أبا عبد الله، لِمَ تنقبضُ مني؟ فإني قد انتقلْتُ عمَّا كنتَ تعهدني برؤيا رأيْتُها!

فقالَ له الإمام: وأيُّ شيءٍ رأيتَ؟

فقال: رأيْتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في النوم، كأنه على عُلُوٍ من الأرض، وناسٌ كثيرٌ أسفل جُلوس، ويقومُ الرجلُ منهم ويقول: يا رسول الله ادعُ لي، فيدعو له، حتى لم يبقَ غيري.

فقالَ لي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: يا فُلان لِمَ لا تقوم فتسألني فأدعو لك؟

قلتُ: يا رسول الله يمنعني الحياء لقبيحِ ما أنا فيه!

فقالُ لي: قُمْ فَسَلْني أدعو لكَ، فإنكَ لا تسبّ أحداً من أصحابي!

فقمْتُ، فدعا لي، فاستيقظْتُ وقد بغَّضَ اللهَ إليَّ كل الذي كنتُ فيه.

فقالَ لي الإمام أحمد: يا جعفر، حدِّثوا بهذا، واحفظوه، فإنه ينفع!

هو خيرُ نبيٍّ مشى على الأرضِ يوماً، وأصحابه هم خيرُ أصحاب نبيٍّ مروا بهذا الكوكب، وإن كانَ أصحاب نُوح عليه السلام ركبوا سفينة الخشب، فهم قد ركبوا سفينةَ التوحيدِ في بحرٍ مُتلَاطِمِ الأمواجِ من الشِّرك!

وإن كان أصحاب موسى عليه السلام قد عبروا معه البحر، فهم قد عبروا معه الصحراء دون أن يشُقَّها لهم بعصاه، وعندما قالَ أصحابُ مُوسى عليه السلام (إنا لمُدركون)، قالَ أصحابُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يومَ حاصرهم الأحزاب (هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدقَ الله ورسوله)!

وإن كان أصحابُ عيسى عليه السلام طلبوا مائدةً من السماءِ ليُصدِّقُوه، فإن أصحابَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم صدقوه بفتحِ بلادِ فارس والروم وهم مُحاصرون في المدينة!

إنهم الصحابة، حُبهم عبادة، والاعترافُ بفضلهم إيمان، كانوا سيف النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وعُكازه، بذلوا له الأرواح، وأرخَصوا له الدماء، ورموا عند أقدامه الأموال، فاللهم احشُرْنَا معهم، واجمعْنَا بهم، وأعِنَّا على أنفُسِنا لنكون كأقلِّ واحدٍ منهم، ولا أحد منهم قليل!