عندما كانت دولة قطر تستعد لعقد مؤتمر الشفافية العالمية، وكانت النيابة العامة هي من يتولى ترتيب المؤتمر.. قابلت حينها سعادة النائب العام في حوار حول الشفافية، بعد حصول دولة قطر على المركز الأول في القائمة العربية.. وسألته حينها: هل ستقفز قطر إلى مراكز متقدمة عالميا لتكون بجوار السويد. فقال حينها «لدينا قيادة تعمل على أن تضع دولة قطر في المراكز المتقدمة في مختلف المجالات ومن بينها الشفافية». وأضاف «نحن ملأ له شرف العمل حول الأمير وتنفيذ رؤيته لتكون قطر في مقدمة الدول..».
وحقيقة وقطر تتصدر قائمة الدول العربية في التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية عن مكافحة الفساد في العالم فتحتل المركز الاول في القائمة العربية التصنيفين العربي والعالمي، في حين زاد تراجع تصنيف عدد من الدول العربية.
والسؤال الذي جاءني من عربي- تركي أثناء وجودي في تركيا مؤخرا: كيف باتت قطر الأولى عربيا في الشفافية؟ قلت له.. قطر تحارب الفساد والمفسدين.. وتقاوم الاستبداد والمستبدين.. ألا تعلم أنها أعادت طبع كتاب «طبائع الاستبداد» للشهيد عبد الرحمن الكواكبي لتضعه بين أيادي الناس ليواجهوا الاستبداد
واتخذت قطر العديد من الخطوات لمحاربة الفساد، وكذلك لنشر الشفافية في المؤسسات المختلفة.
وفي خطابه الأخير قال صاحب السمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إن «الفساد المالي والإداري هو الأخطر لما يسببه من ترهل في المؤسسات لا يمكن قبوله، ودعا الوزراء إلى الاهتمام بذلك».
وقطر تنتهج سياسة الفاروق عمر بن الخطاب في تعاملها مع الفساد المالي والاداري.. والنيابة العامة تحيل ملفات فساد إداري ومالي إلى القضاء بلا هوادة.
وقال: وما الحل لدى باقي الدول العربية؟ قلت:
ذكر صاحب «العقد الفريد» أن عمر بلغه أن أموال عامله على مصر (عمرو بن العاص) قد كثرت، وكان عمر يُرسل (العيون) على الولاة للتأكد من أدائهم ضمن جهاز مؤسسي مُحكَم فكتب إليه: (بلغني أنه قد فشت لك فاشيه من إبل وبقر وغنم وخيل وعبيد، وظهر لك من المال ما لم يكن في رزقك، ولا كان لك مال قبل أن استعملك فمن أين لك هذا؟ وقد كان عندي من المهاجرين الأولين من هو خير منك فاكتب لي وعَجِّل)
فكتب إليه عمرو:
(فهمت كتاب أمير المؤمنين.. وأما ما ظهر لي من مال فإنّا قدمنا بلاداً رخيصة الأسعار كثيرة الغزو، فجعلنا ما أصابنا من الفضول فيها، والله لو كانت خيانتك حلالاً ما خنتك وقد ائتمنتني، فإن لنا أحساباً إذا رجعنا إليها أغنتنا، والله يا أمير المؤمنين ما دققت لك باباً، ولا فتحت لك قفلاً).
فكتب إليه عمر:
(إني لست من تسطيرك الكتاب وتشقيقك الكلام في شيء، ولكنكم معشر الأمراء قعدتم على عيون الأموال، ولن تقدموا عذراً، وإنما تأكلون النار وتتعجّلون العار، وقد وجَّهت إليك محمد بن مسلمه فسلِّم إليه شطر مالك).
فعل هذا عمر -رضي الله عنه- مع العديد من ولاته؛ الذين اشتغلوا في التجارة؛ لأن ذلك مظنَّة محاباة الناس لهم، أما من يعلم منه اختلاساً فله شأن آخر!
هذا مسلك سلفي أصيل رسمه الفاروق - رضي الله عنه-، وهو خطة إنسانية ناجحة لجأت إليها الدول؛ لحماية شعوبها من الابتزاز والتسلط، وما يفضي إليه من الفتن والمشكلات،
فمتى نجده واقعاً مشهوداً في بلاد الإسلام؟!
نبضة أخيرة
من يهادن الجنون مدنها.. هي أرق من نسمة صباح ربيعية تلامس الوجنات الملتهبة على الشواطئ الرمادية.
بقلم : سمير البرغوثي