يعاني الوالدان في الغرب كثيراً من سرعة صعود أثر التعليم الغربي في نفس الطفل، وهو ما لا تجد صداه بنفس المقدار لدى الطفل الذي يتعلم في الشرق من بيئة وهو من بيئة أخرى، وهنا لا نستعرض علم التربية للطفل بالعموم، ولا نطرحه كإطار تربوي متخصص، ولكننا نعرض له كضرورة تحتاج إلى تفكيك لفهمها، وتحديد معالم الخلل، وخاصة حين تكون ثقافتنا، معتمدة على مفاهيم التربية القرآنية الأخلاقية، فلماذا فشلنا في توصيل الرسالة؟
المدخل هنا حتى لا يتشعب الموضوع، هو أن الأبوين المسلمين في الغرب، يلاحظان سرعة اكتساب الطفل للثقة في الحديث عن آرائه، وما يتلقاه من المدرسة، وحين تبني المدرسة أو المعلم والمعلمة جسراً من الثقة والود فهي تسري في الطفل بقوة، حسناً أين المشكلة في هذا؟
هذا الأمر لا إشكال فيه من حيث المسار التربوي، واحتضان الطفل، ورعايته تأهيلياً، بل كسب طريقة مميزة لصقل شخصيته، لا توجد لدينا في مدارس الشرق، ولا في النظام التعليمي أو تراها نادرة، وهي قصة سنتعرض لها فيما بعد، الخطورة هنا أن الطفل يبرمج عقله البريء، ويخضع بكثافة لتغيير سلوكه الفطري، لزراعة قناعة المنهج الذي تعتمده تلك المدرسة، أو المعلم أو المعلمة، وهي خطيئة ضد الإنسانية وضد الطفولة.
وعليه فإن الخلل هنا، هو في استخدام هذه الثقة بين المؤسسة التعليمية والطفل، لصناعة ممانعة تغريبية، ونفور لديه من قيم الإسلام والبيئة العربية الأخلاقية، وتحييد حق الأسرة المدون في الدساتير الغربية، والذي ينص على حق الوالدين في المحافظة على قيم أطفالهم الدينية، لاحظ هنا أن هذا الحق، تغتصبه المدرسة عبر رضا الطفل، الذي لم تصله مادة التوضيح والتأهيل.
فتُفاجأ الأسرة بأن لديها عجزا يتعاظم، في تجسير لغة المفاهيم والقناعة القيمية لدى أطفالهم، الذين يتشربون تعاليم المعلم ضد الأسرة، بل وضد الذات الطفولية البريئة، التي يُقذف بها إلى حالة الشك والاضطراب النفسي، في هويتها الجنسية، أو في أخلاقياتها الروحية، أو في نبذ والديه، ووضع أسئلة شك عنهم، تدفعه للحديث المرغب فيه من المعلم أو المعلمة ضدهم، حين يرتكبون مخالفة صغيرة، أو غضب عارض، يملكون مقابله كنزاً من الرحمة والحب، لا تعوضه تلك المؤسسات، التي تأخذ أطفالهم، ولا الأسرة المستأجرة بمبالغ شهرية، للوصاية على الطفولة المختطفة.
ونحن هنا نتحدث عن الوضع العام الأشمل، للأسرة وأطفالها، وليس عن الحالات الشاذة من حيث العنف أو المخدرات للأبوين، الذي ينتشر في الغرب بسرعة، عبر تشريعات السماح لكميات المخدرات، بما فيها أصنافها الأسوأ، ومن خلال تجارة السلاح المشروع، وأجواء العنف والإحباط والتناقضات، التي تنتشر في الإعلام والسوشيال ميديا، وهي تكثف مجهرها على الماديات، وفقرات الغناء المشحون بالتفاهة والاستعراض، وعبارات التفاعل العدمي.
وهي ثقافة تنشر في الشرق اليوم، وعبر رعايات رسمية بمقابل مادي ضخم، يبتعد فيه الفن عن مساحة الذوق والمتعة الموسيقية، والطرب الأصيل، إلى طقوس الفن الجنوني.
نعم نحن هنا لا نرفض الفنون، ولكن الحالة الغربية المسيطرة، والتي نُقلت إلى كوريا واليابان وغيرهما، أصبحت أيديولوجية ثقافية صاخبة، تقرع آذان الأطفال والفتيان والفتيات، وتساهم في فوضى الاضطراب الفكري الذي لا يساعد مطلقا، على حماية الجيل ولا صناعة شخصية أخلاقية بروحها، مبدعة بذاتها، متسامحة متعاضدة مع أسرتها.
فأين هذا من موضوعنا، ولماذا إذن تنجح المؤسسة التعليمية في الغرب في كسب الطفل، وتفشل في الشرق، يجب هنا أن نشير إلى أن النجاح الغربي في تأسيس الثقة في الطفل، لا يصمد معه في مواجهات تحديات الكآبة الاجتماعية، وتسقط تلك الثقة عند شريحة من الطلبة، وخاصة ممن ينتمي إلى القوميات الغربية، في أتون المخدرات والفشل الدراسي، وينسحبون إلى تخصصات حرفية، أكثر من شباب المهاجرين من الجنوب، الذين يواصلون تخصصاتهم الأكاديمية. وإن شملت المخاطر الجميع، فهناك أيضاً نسبة من أجيال المسلمين، غرقوا في مستنقع المخدرات والجريمة، والسجون مليئة بهم في الغرب، لكننا نقصد أن ذلك التميّز في الثقة عند الطفل الغربي البريء الجميل، الذي يتحدث بعفوية وطلاقة أفضل من طفل الشرق، سقط بعض جيله حين بات شاباً، وتحول للإدمان والفشل التعليمي والوظيفي، وأصبحت علاقته مع الأسرة متضعضعة، ومنقطعة وفي أحيان كثيرة منفصلة إلا في أعياد الميلاد ورأس السنة، أو ذكرى ميلاده أو ميلاد أبويه.
كيف سقط؟ لأن القيم لم تنقذه فلماذا خُطف أطفال المسلمين، وفرض على والديهم نزع فلذات أكبادهم منهم، للحديث بقية.