+ A
A -
منذ طفولتي.. أعشق الملوخية، هذه النبتة الناعمة الرقيقة السهلة التي يطبخها أهل الشام مع الفراخ واللحمة، ويفضلها اهل النيل مع «الأرانب» فقد كانت هذه النبتة تقدم لملوك مصر، فاطلقوا عليها «الملوكية» وعندما تم تعميمها على عامة الناس استبدلوا «الخاء» بـ «الكاف» فأصبحت «ملوخية».
ولكن عشقي لها جعلني أطلق اسمها القديم.. ملوكية.. تسألني أم العيال ماذا تريد للغداء غدا؟.. فأجيبها: «ملوكية» وعشاء.. «ملوكية» حتى تملكتني، إلى درجة انني قررت تسمية ابنتي البكر «ملوكية» واخوها «أرنب» لكن المسجل في وزارة الصحة احتج عليّ، واقنعني بتغيير المسمى.
وتفننت في تناول «الملوكية» وأثناء زيارة إلى مسقط رأسها في مصر.. قررت ان أقبلها في مهدها.. فطلبت من «النادل» في احد المطاعم على ضفاف النيل ان يحضر قائمة الطعام فكانت «الملوكية» على رأس القائمة.. فتوقفت عند «الملوكية بالجمبري» أي بالربيان، لم استسغ المذاق نفرت نفسي من «الملوكية» وهجرتها شهرين وشعرت أسرتي بالارتياح.. إلى أن زرت صديقي الهندي «عمر» صاحب محل الخضار.. فما ان دخلت حتى احضر لي النبتة وقال: ملوكية طازجة بابا صناعة مال قطر.. وملوكية مستوردة رفيق صناعة مال اردن، وملوكية من صديق صناعة مال شام، ملوكية مروية بابا صناعة مال نيل.. أغمضت عينيّ وتحسست الملوخية، فاختارت حاستي الناعمة الرقيقة المهذبة اللطيفة.
وعرجت على «مقصلة» الدجاج وتناولت دجاجتين نشيطتين، حيويتين، وجلست في الصالة، ومع «الطشة» أي «تقلاية الثوم» شهقت كما تشهق «حورية احمد» وتوجهت إلى المطبخ رائحة الثوم طاغية، لكن هناك رائحة غريبة تصل إلى حاسة الشم، ما هذه.. قالت: لقد غسلت الملوخية مرات عديدة.. هناك رائحة كيماوية لا ادري ما نوعها.. تناولت من «ملوكيتي» الملعقة الأولى، فالثانية، فالثالثة، وانتظرت.. بدأ مغص خفيف.. لحقه عربدة وقعقعة في الأمعاء الغليظة، فاستنفرت الامعاء الدقيقة، هرولت إلى الحمام انها «ملوخية» ليست «ملوكية» وبعد.. ايها المزارع الكريم.. ان صحتنا أمانه في عنقك، واستخدام المواد الكيماوية من اجل تنمية «الملوكية» قد يسرطن ولدك، وولدي وولده.. قد يسرطنك، فلا اجمل من «ملوكية» تأتي من الطبيعة، اما القادمة على ظهر «الكيماوي» و«الجرثومي» و«البيولوجي» فهي «ملوخية» تدخل الأمة في دوامة البحث عن اقرب مزبلة لتلقى بك وبها فيها؟!
نبضة أخيرة
انفلات الوقت يدمي اللحظة الهاربة إلى لقاء روح تنتظر عند المنحنيات الغاضبة.
بقلم : سمير البرغوثي
ولكن عشقي لها جعلني أطلق اسمها القديم.. ملوكية.. تسألني أم العيال ماذا تريد للغداء غدا؟.. فأجيبها: «ملوكية» وعشاء.. «ملوكية» حتى تملكتني، إلى درجة انني قررت تسمية ابنتي البكر «ملوكية» واخوها «أرنب» لكن المسجل في وزارة الصحة احتج عليّ، واقنعني بتغيير المسمى.
وتفننت في تناول «الملوكية» وأثناء زيارة إلى مسقط رأسها في مصر.. قررت ان أقبلها في مهدها.. فطلبت من «النادل» في احد المطاعم على ضفاف النيل ان يحضر قائمة الطعام فكانت «الملوكية» على رأس القائمة.. فتوقفت عند «الملوكية بالجمبري» أي بالربيان، لم استسغ المذاق نفرت نفسي من «الملوكية» وهجرتها شهرين وشعرت أسرتي بالارتياح.. إلى أن زرت صديقي الهندي «عمر» صاحب محل الخضار.. فما ان دخلت حتى احضر لي النبتة وقال: ملوكية طازجة بابا صناعة مال قطر.. وملوكية مستوردة رفيق صناعة مال اردن، وملوكية من صديق صناعة مال شام، ملوكية مروية بابا صناعة مال نيل.. أغمضت عينيّ وتحسست الملوخية، فاختارت حاستي الناعمة الرقيقة المهذبة اللطيفة.
وعرجت على «مقصلة» الدجاج وتناولت دجاجتين نشيطتين، حيويتين، وجلست في الصالة، ومع «الطشة» أي «تقلاية الثوم» شهقت كما تشهق «حورية احمد» وتوجهت إلى المطبخ رائحة الثوم طاغية، لكن هناك رائحة غريبة تصل إلى حاسة الشم، ما هذه.. قالت: لقد غسلت الملوخية مرات عديدة.. هناك رائحة كيماوية لا ادري ما نوعها.. تناولت من «ملوكيتي» الملعقة الأولى، فالثانية، فالثالثة، وانتظرت.. بدأ مغص خفيف.. لحقه عربدة وقعقعة في الأمعاء الغليظة، فاستنفرت الامعاء الدقيقة، هرولت إلى الحمام انها «ملوخية» ليست «ملوكية» وبعد.. ايها المزارع الكريم.. ان صحتنا أمانه في عنقك، واستخدام المواد الكيماوية من اجل تنمية «الملوكية» قد يسرطن ولدك، وولدي وولده.. قد يسرطنك، فلا اجمل من «ملوكية» تأتي من الطبيعة، اما القادمة على ظهر «الكيماوي» و«الجرثومي» و«البيولوجي» فهي «ملوخية» تدخل الأمة في دوامة البحث عن اقرب مزبلة لتلقى بك وبها فيها؟!
نبضة أخيرة
انفلات الوقت يدمي اللحظة الهاربة إلى لقاء روح تنتظر عند المنحنيات الغاضبة.
بقلم : سمير البرغوثي