+ A
A -
أحدث القرار التنفيذي الذي اتخذه الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب ويقضى بمنع سفر رعايا 7 دول عربية وإسلامية إلى الولايات المتحدة استياء في أوساط الرأي العام الأميركي والغربي بوجه عام. وعلى إثره خرجت مظاهرات مليونية في عدة مدن أميركية وأوروبية تندد بالقرار وتطالب بوقفه، كما تسبب القرار في وقوع صدام حاد وعلى وجه السرعة بين السلطة التنفيذية ممثلة في ترامب والمحاكم الفيدرالية في أكثر من ولاية انتهى بإلغاء هذه المحاكم للقرار.
ولأول وهلة بدت انتفاضة الرأي العام الأميركي والغربي عموما وكأنها إنصاف من جانبهم للإسلام والمسلمين، مما أعطى الانطباع عند الرأي العام العربي والإسلامي بأن تغييرا إيجابيا كبيرا قد حدث في موقف الشارع الأميركي والغربي من الإسلام والمسلمين، وهو انطباع متعجل وغير دقيق إن لم يكن انطباعا زائفا أو وهميا.
ولكن هناك علامات استفهام عديدة حول ما إذا كان قد حدث فعلا تحول إيجابي له صفة الاستقرار والدوام في مواقف الرأي العام الأميركي والأوروبي أم لا. وحيث لا توجد إجابات شافية عليها،فإن القراءة الواقعية لمظاهرات الأميركيين تضامنا مع المسلمين والعرب، تقودنا إلى أن هذه المظاهرات ما هي إلا تعبير عن كراهية لترامب وسياساته لا دعما للمسلمين والعرب أو غيرة عليهم.
بداية لم يأت ترامب ببدعة في قرار منع السفر، فقد سبقه في ذلك الرئيس السابق باراك أوباما، والفرق هو في درجة التشدد فقط. كان أوباما قد قرر في ديسمبر 2015 وضع قيود محدودة على بعض المسافرين الذين زاروا إيران والعراق والسودان وسوريا منذ مارس 2011، ثم أضاف بعد فترة من الوقت كل من ليبيا والصومال واليمن. وما فعله ترامب هو أنه أخرج هذه القائمة كما هي من الملفات التي تركها له أوباما، ولكنه توسع وتشدد فيها إلى حد بعيد، حيث عمم منع السفر على جميع رعايا هذه الدول.
ولا شك أن قرار ترامب كان مجحفا أو متعسفا إلى حد كبير. ولكن السؤال المشروع هنا هو لماذا لم يحتج أحد من الجمهور الأميركي أو الأوروبي ولا حتى من السياسيين والإعلاميين على القيود التي وضعتها إدارة أوباما من قبل. أليس ذلك تعبيرا عن الكيل بمكيالين من الجمهور الأميركي.
ومعلوم للكافة أن ترامب اقترح في ديسمبر 2015 وقت أن كان من أبرز المرشحين الجمهوريين للانتخابات الرئاسية فرض حظر على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، فضلا عن فرض السيطرة على بعض المساجد. آنذاك لم تتحرك المظاهرات ضد ترامب تعاطفا مع المسلمين.
وكما وعد إسرائيل خلال الحملة الانتخابية بأنه سينقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، سارع ترامب بتجديد وعده لها بعد فوزه بالرئاسة، ولم يحدث أن احتج الجمهور الأميركي على خطوة كهذه بمظاهرة أو حتى مسيرة صغيرة، لا خلال الحملة ولا بعدها.
سجل الكراهية ضد المسلمين ممتد زمنيا ومتسع أفقيا سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة والأمثلة عديدة لم يمحوها النسيان من الذاكرة. وبينما تضامن الجمهور الأوروبي مع مجلة شارل إبدو الفرنسية في مظاهرة مليونية تقدمها قادة الدول الأوروبية إثر الاعتداء الإرهابي على المجلة أوائل عام 2015، لا يسجل التاريخ مشهدا مشابها للتضامن الفعلي مع المسلمين في الوقائع التي تعرضوا فيها للإساءة في مقدساتهم وكان من أبرزها واقعة الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم عام 2005. ومن جهة أخرى لا تخلو بيانات مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) من حوادث الكراهية التي يتعرض لها المسلمون في الولايات المتحدة، بينما تخلو من تسجيل مظاهرات داعمة للمسلمين.
والخلاصة أن ما جرى هو احتجاج عام على شخص ترامب وسياساته من جانب قطاع معين من المجتمع الأميركي المنقسم على نفسه، وليس دعما لقضايا العرب والمسلمين كما يبدو في أي قراءة متعجلة للمشهد.