+ A
A -
تبدو المعركتان متشابهتين، فالخصم واحد هو تنظيم داعش وعاصمة ما تبقى من خلافته في سوريا، وعاصمة ما تبقى منها في العراق، غير أن لهما عمقاً ومنظوراً مختلفاً، وهذا العمق يشكل أبرز تطورات الصراع الإقليمي وتقاطعاته الدولية مع واشنطن وموسكو منذ احتلال العراق واشتعال الثورة السورية، فهو بالفعل ساعة حصاد عاجلة بين إيران وتركيا. وبغض النظر عن التقدير الإيجابي لنموذج تركيا التي لا تعتمد الحرب الطائفية ومنتجاتها في مواقع نفوذها لا مع السنة ولا الشيعة، كما تفعل إيران.
وفضلاً عن الظرف الذي لا يسمح بتفعيل العثمانية الجديدة مركزياً التي تتهم بها أنقرة، في ظل ترتيبات ومعركة سياسية داخلية لإقرار النظام الرئاسي في الجمهورية الثالثة.
فإن القضية للأشقاء الأتراك تبقى قضية صراع مصالح حدودية تمس الوجود القومي، قبل أي معيار إسلامي أو إنساني آخر، وهنا القاسم المشترك مع الجمهورية الإيرانية، التي تطمح لبسط النفوذ وتسييس الطائفية معا، وهنا يتضح أن البعد العربي المحلي ممثلاً بفصائل سوريا العسكرية والسياسية، والإقليمي العربي لا قرار مركزياً له مطلقاً في المعركتين، بل ليس لديه أصلاً مساحة تعديل رئيسية وإن توافق مع تركيا على النموذج الذي تختاره ودعمها لا أكثر في هذه المعركة.
وهي في حال النظام في دمشق تحت مركزية توافق طهران وموسكو للمستقبل الكبير لسوريا، الذي أثبتت المواقف الأخيرة حوله أن شراكة موسكو وطهران أقوى من التحالف مع ترامب فضلاً عن علاقة موسكو بأنقرة، ولذلك فنحن نطرح هذا التحليل وفقا للبعد الإقليمي الإستراتيجي، وليس بناء على المشاعر العاطفية، لقد أضحت معركة الموصل بعد إخراج الأتراك كليا، في قبضة إيران ولا يتوقع مطلقاً أن تؤثر تصريحات ترامب ضد إيران على المعركة المصيرية.
بل العكس، فالأنباء تؤكد استمرار دعم القوات الأميركية وزيادتها للأسابيع القادمة لحسم معركة الجزء الأيمن من الموصل، والتي وإن ظلت أشهر فهي في نهاية الأمر إيذان بانهيار نموذج السلفية الجهادية الحالي في نسخة تنظيم داعش، فتركيا اليوم لا تستطيع أن تغيّر خطوط الحرب، ولا ضمان سلامة المدنيين في الموصل، لا مع واشنطن ولا التواصل الأخير مع إيران يسمح لها بذلك في العراق.
وهنا سيكون تفريطها في معركة الرقة قضية خطيرة للغاية، لو تركت بيد أكراد واشنطن المدعومين أصلاً من موسكو وطهران، حيث كانت أنقرة خارج صفقة كوباني وما بعدها ولاتزال، ما لم يُغيّر ترامب هذا التوجه، وربما استثمرت تركيا الاتصالات التي تَكتم عليها الطرفان في زيارات مبعوثين لترامب إلى أنقرة، لتحولها إلى بنية توازن تقنع بوتين وفريقه في موسكو بترك هذه المساحة لأنقرة.
وقد يرشح عن ذلك تكتيكات ميدانية لموسكو وطهران تعقّد حسم أنقرة لمعركة الرقة دون إعلان ذلك رسمياً، إلا في حال انتهجت القوات التركية والثورية السورية خطة خاطفة لإنجاز المعركة، وهو ما يطرح سؤالاً كبيراً لماذا إذن أعلن الرئيس أردوغان هذه الخطة، هل لبعث رسائل للأطراف أم لسبب آخر.
لا يوجد شك بأن حسم معركة الرقة وضمها لقوات متحالفة مع تركيا من فصائل الحر سيُمثل خطوة إيجابية، لكن الأمر سيعود للتعقيد مجدداً لسبب رئيسي، وهو أن إيران تعتمد على قوة مركزية موحدة مسلحة تعضدها مرجعية دينية ونظام خاضع لها، هي قوة الحشد الطائفي، في حين لم تسعى تركيا حتى الساعة إلى دعم فكرة تحويل فصائل الحر والفصائل الإسلامية خاصة بعد التجربة المرة مع السلفية الجهادية إلى الجيش الحر الجديد، وجزء من عذر تركيا حالة الفسيفاء الكارثية في الفصائل السورية.
لكن ذلك لم يعالج بمشروع جاد يستفيد من تحسن العلاقات الكبير مع الخليج العربي لتحقيق هذا الدمج، الذي سيحول مجموعات من الفصائل إلى جيش حليف يتعزز موقفه السياسي وموقف أنقرة في ظل صراع الميدان الذي سيؤثر على أي مفاوضات قادمة.
وقد يكون لدى أنقرة حسابات إنسانية فهي بالفعل حريصة على تحييد آلة الحرب عن السُنة الذين تسعى طهران لتصفية أكبر عدد منهم، وبعثرتهم لضمان تثبيت مشروعها الجيوسياسي مع الروس، من خلال إقناع أنقرة لترامب المضطرب داخليا بالمناطق الآمنة، ثم استثمار ذلك في الحل السياسي، لكن هذه الحسابات ستبقى هشة دون شريك سوري قوي لا يمكن أن يولد دون نموذج الجيش الحر الجديد، الذي لم تعد تختلف مفاهيم جيش الإسلام وغالبية الأحرار عن قناعاته الإسلامية والوطنية، فهل ستعيد أنقرة حساباتها عن الجيش الحر الجديد؟
بقلم : مهنا الحبيل
وفضلاً عن الظرف الذي لا يسمح بتفعيل العثمانية الجديدة مركزياً التي تتهم بها أنقرة، في ظل ترتيبات ومعركة سياسية داخلية لإقرار النظام الرئاسي في الجمهورية الثالثة.
فإن القضية للأشقاء الأتراك تبقى قضية صراع مصالح حدودية تمس الوجود القومي، قبل أي معيار إسلامي أو إنساني آخر، وهنا القاسم المشترك مع الجمهورية الإيرانية، التي تطمح لبسط النفوذ وتسييس الطائفية معا، وهنا يتضح أن البعد العربي المحلي ممثلاً بفصائل سوريا العسكرية والسياسية، والإقليمي العربي لا قرار مركزياً له مطلقاً في المعركتين، بل ليس لديه أصلاً مساحة تعديل رئيسية وإن توافق مع تركيا على النموذج الذي تختاره ودعمها لا أكثر في هذه المعركة.
وهي في حال النظام في دمشق تحت مركزية توافق طهران وموسكو للمستقبل الكبير لسوريا، الذي أثبتت المواقف الأخيرة حوله أن شراكة موسكو وطهران أقوى من التحالف مع ترامب فضلاً عن علاقة موسكو بأنقرة، ولذلك فنحن نطرح هذا التحليل وفقا للبعد الإقليمي الإستراتيجي، وليس بناء على المشاعر العاطفية، لقد أضحت معركة الموصل بعد إخراج الأتراك كليا، في قبضة إيران ولا يتوقع مطلقاً أن تؤثر تصريحات ترامب ضد إيران على المعركة المصيرية.
بل العكس، فالأنباء تؤكد استمرار دعم القوات الأميركية وزيادتها للأسابيع القادمة لحسم معركة الجزء الأيمن من الموصل، والتي وإن ظلت أشهر فهي في نهاية الأمر إيذان بانهيار نموذج السلفية الجهادية الحالي في نسخة تنظيم داعش، فتركيا اليوم لا تستطيع أن تغيّر خطوط الحرب، ولا ضمان سلامة المدنيين في الموصل، لا مع واشنطن ولا التواصل الأخير مع إيران يسمح لها بذلك في العراق.
وهنا سيكون تفريطها في معركة الرقة قضية خطيرة للغاية، لو تركت بيد أكراد واشنطن المدعومين أصلاً من موسكو وطهران، حيث كانت أنقرة خارج صفقة كوباني وما بعدها ولاتزال، ما لم يُغيّر ترامب هذا التوجه، وربما استثمرت تركيا الاتصالات التي تَكتم عليها الطرفان في زيارات مبعوثين لترامب إلى أنقرة، لتحولها إلى بنية توازن تقنع بوتين وفريقه في موسكو بترك هذه المساحة لأنقرة.
وقد يرشح عن ذلك تكتيكات ميدانية لموسكو وطهران تعقّد حسم أنقرة لمعركة الرقة دون إعلان ذلك رسمياً، إلا في حال انتهجت القوات التركية والثورية السورية خطة خاطفة لإنجاز المعركة، وهو ما يطرح سؤالاً كبيراً لماذا إذن أعلن الرئيس أردوغان هذه الخطة، هل لبعث رسائل للأطراف أم لسبب آخر.
لا يوجد شك بأن حسم معركة الرقة وضمها لقوات متحالفة مع تركيا من فصائل الحر سيُمثل خطوة إيجابية، لكن الأمر سيعود للتعقيد مجدداً لسبب رئيسي، وهو أن إيران تعتمد على قوة مركزية موحدة مسلحة تعضدها مرجعية دينية ونظام خاضع لها، هي قوة الحشد الطائفي، في حين لم تسعى تركيا حتى الساعة إلى دعم فكرة تحويل فصائل الحر والفصائل الإسلامية خاصة بعد التجربة المرة مع السلفية الجهادية إلى الجيش الحر الجديد، وجزء من عذر تركيا حالة الفسيفاء الكارثية في الفصائل السورية.
لكن ذلك لم يعالج بمشروع جاد يستفيد من تحسن العلاقات الكبير مع الخليج العربي لتحقيق هذا الدمج، الذي سيحول مجموعات من الفصائل إلى جيش حليف يتعزز موقفه السياسي وموقف أنقرة في ظل صراع الميدان الذي سيؤثر على أي مفاوضات قادمة.
وقد يكون لدى أنقرة حسابات إنسانية فهي بالفعل حريصة على تحييد آلة الحرب عن السُنة الذين تسعى طهران لتصفية أكبر عدد منهم، وبعثرتهم لضمان تثبيت مشروعها الجيوسياسي مع الروس، من خلال إقناع أنقرة لترامب المضطرب داخليا بالمناطق الآمنة، ثم استثمار ذلك في الحل السياسي، لكن هذه الحسابات ستبقى هشة دون شريك سوري قوي لا يمكن أن يولد دون نموذج الجيش الحر الجديد، الذي لم تعد تختلف مفاهيم جيش الإسلام وغالبية الأحرار عن قناعاته الإسلامية والوطنية، فهل ستعيد أنقرة حساباتها عن الجيش الحر الجديد؟
بقلم : مهنا الحبيل