أمام ظاهرة التعدي المستمرة على المقدسات الإسلامية، لا بد هنا من أن نُعيد التذكير بمن هو الغرب الذي نتعامل معه، فهو ليس كتلة واحدة ولكنه أطراف متعددة، إن انثروبولوجية الغرب، من ناحية التعامل مع الإسلام ومقدساته، يمكننا أن نجملها في أربعة أطراف:
الأول: هو النظام السياسي الغربي بيمينه ويساره، قد يتفاوت موقفه السياسي، بين الحكم والمعارضة، لكن مؤسسات التكنوقراط العميقة، والتي تمثل قاعدة الدولة، بغض النظر عمن يستلم الحكم، فمجمل الموقف السياسي، يعامل حاضر العالم الإسلامي، بحذر وتحفز بالغ، وأن الإسلام الذي يأتي مع اللاجئين يجب أن يكون تحت السيطرة، ولا يتجاوز الحق الفردي.
هذا الحق بدأت دول غربية عديدة، في العمل على تحجيمه، واستهداف الرابطة الاجتماعية فيه، كما أن توطين الإسلام عبر مواطنيه، أضحت تحدياً كبيراً تتفق ضده كل أركان الدولة والنظام السياسي، رفض هذا التوطين لا نقصدُ أنه منصوصٌ عليه في شرائع الغرب، ولا أنظمتهم، ولكن في تحجيم حقوق مواطنيهم المسلمين، الذين يساهمون في عجلة الصناعة والنهضة الطبية وغيرها، ويتمسكون بحقهم الضميري في الاعتقاد، وخاصة أنهُ اعتقادٌ بناءٌ للأوطان، وتعاون بين البشرية بكل شرائحها، لكن هذه الفكرة يجهلها كثير من الغربيين.
هذه المنظومة لا يهمها اليوم مغادرة المسلمين في هجرة معاكسة، فضمان تدفق العمالة التشغيلية وتأمين الوظائف المتعددة، لتواصل الدولة الغربية تنميتها، وزيادة قدراتها، سواءً في المؤهلين المتخصصين، أو في دفع عجلة الصناعة والاستثمار المتعدد، باتت في حالة اكتفاء بل وتشبع.
وهنا نحنُ نوضّح بأن هناك حقوقاً قيمية، وقانونية لا يزال المسلمون يتمتعون بها، وأن رغم العنصريات الطاغية، لكن العنصريات الشعبية والحكومية وخطط ترحيل المسلمين وإذايتهم، من بلدان المسلمين، هو أشنع وأفظع مما يجري في الغرب.
وبالتالي الطرف الأضعف هنا هم مواطني دول الغرب المسلمين، الذين يسهل استبدالهم، وليس لهم قوة تُذكر في المؤسسات السياسية والدستورية، وقد يكون هناك تطور من خلال التواجد في مواقع مؤثرة كبريطانيا، لكنها تحت سيطرة القوة المركزية القومية الغربية.
ولذلك نلاحظ أن عمدة لندن، دون أن يكون هناك حافز يتطلب منه موقفاً سياسياً، دعم القضية المثلية ضد المسلمين في المونديال، وهي تتجاوز المناسبة إلى تأثيرها داخل بريطانيا، والعمل على فرضها في المراكز الإسلامية وغيرها، وقس على ذلك، موقف بعض النواب من تبني المثلية ضد مواطنيهم المسلمين، رغم أن لا أحد طلب منهم، تبني أي تبرير لمس حقوق المثلي بإهانته، أو يشرع التعدي عليه، وإنما فقط باحترامهم لقطعية الإسلام في قضية المثلية، فالأسرة الفطرية هي المستهدفة اليوم.
إذن الطرف الأول هنا وهو النظام السياسي، لن تزعجه ظاهرة استفزاز المسلمين، رغم أنهُ عمل أخرق، يهدد التعايش، ويُفسد أجواء السلم المعنوية، وهو ما صرح به بعض المسؤولين الأمنيين، ولكن الدولة تحتج بقوانينها المنحازة في أصل تقديراتها، لما هو مقدس وما هو غير ذلك في خلفيتها، وتراقب بصورة شرسة أداء المجتمع المسلم في أرضها، لتستثمر كل زلة في التشريعات القانونية، وفي التحفز السياسي.
ولذلك ففقه مواجهة الجريمة من داخل الدولة الغربية، يحتاج إلى مجتمع مدني مسلم، قوي بخطابه وبأدواته الحوارية ومجموعة ضغطه، أما الدول المسلمة فرسائلها مؤثرة، حين تقترن بالتضييق على مصالح الدولة الغربية، وهذه فقط اللغة التي تعرفها الدولة العميقة في الغرب.
الثاني: هو المجتمع العام في الغرب، والذي يجهل الرسالة الإسلامية، ولديه حمولة ضخمة من الأكاذيب والخرافات، وتفسيرات مشوهة، يعززها الانحطاط الأخلاقي الذي يمارسه بعض المسلمين في الغرب، وهؤلاء وعبر الإحصاء الرسمي، كلما وصلتهم معلومة تعريفية صادقة عن الإسلام، كلما تغير موقفهم منه إيجابياً، ولكن هذه الرسالة في تبيان قيم الإسلام، وقعها ضعيف جداً ومحدود.
الثالث: الإعلام في الدول الغربية وهو طرفٌ منحازٌ كلياً، ويوظف مركزياً عبر الفكرة المثبتة في العقل الباطني الغربي، وهناك اختراقات إيجابية لبعض المنصفين، لكن تأثيرها محدود، ومع ذلك فسلاح الإعلام مختلف اليوم، فهو لم يعد قنوات وصحافة فقط، ولا يلزم منه أن يكون في ذات أرض الدولة، ولكن عبر لغتها لإيصال رسالة مختلفة، لبقية المجتمع، وخاصة أطراف المجتمع المدني والديني، وأقصد بالديني الكنائس، فالكنائس الغربية ليست كتلة واحدة، والتجربة تثبت، بأن هناك من تجاوب ودعم المسلمين وحقوقهم، ولكن حبال السعي معهم ضعيفة جداً.
وللحديث بقية بعون الله.