التغيير سنة الحياة، وناموس من نواميس الكون الثابتة. لا شيء يبقى على حاله، فهناك الليل والنهار، شمس تشرق ثم تغيب وقمر ينير صفحة السماء ثم يتوارى بخجل حتى ميعاد آخر، خريف يعلن تساقط أوراق الشجر وربيع يحيل الأرض إلى جنة من الأزهار، شتاء قارص وصيف حار، حتى الإنسان، طفل، فشاب، فكهل، نشيط يوماً تعب آخر، بعافية وصحة تارة.. متعب نفسيّاً ومريض جسديّاً تارة أخرى.
صدق المثل الذي يقول: «دوام الحال من المحال». وربما لو دام الحال على حاله لكانت الدنيا مملة وأيامنا واحدة لا شيء مميز فيها. فتخيل أنك صحوت يوماً لتتحقق كل أحلامك وتنال كل ما تريده في أي وقت تريده، واستمر الوضع كذلك سنوات طوال، كل يوم تستيقظ ليكون العالم بما فيه ملكك دون أي حزن ولا تحديات ولا صعوبات! قد يكون هذا الأمر حلم الكثيرين، لكن لو دام هذا الخير المطلق دون أدنى تغيير لأصبح مملاً باعثاً على الضجر القاتل.
انظر إلى الناس اليوم، نادراً ما تجد شخصاً يستمتع بشروق الشمس كل صباح، أو تراه سعيداً بالصحة التي ينعم بها، أو فرح ويقدر نعمة وجود كل أهله بخير وأمان وعلى قيد الحياة. إننا لا ندرك النعم إلا بعد زوالها؛ لأننا نعتاد كل شيء فيفقد مع الوقت بريقه.
أي شيء يصبح اعتياديّاً وروتينيّاً يغدو عاديّاً لا يثير فينا مشاعر الفرح والغبطة. نفس الشيء ينطبق على الأيام التي تمضي من عمرنا. بعض الناس يعيشون معظم حياتهم كأن كل يوم فيها إعادة وتكرار لنفس الفيلم. لا جديد على الساحة ولا تغيير من أي ناحية. روتينية قاتلة وأحداث حياتية منسوخة عن بعضها البعض، في تسلسل ممل يبعث على الكآبة والإحساس بالإحباط والفشل.
إذا كان كل يوم من حياتك نسخة عن اليوم الذي سبقه واليوم الذي يليه، فلا غرابة أن تشعر بالضجر المستمر وضعف تقدير الذات وتجد صعوبة بالغة في فعل أي شيء. هذا ما يفسر إحساس البعض لسنوات طويلة بفقدان أي دافع نحو الدراسة، أو العمل أو أي نشاط اجتماعي أو شخصي.
مؤسف بحق ألا يتغير في حياتك وأيامك كلها سوى التاريخ الذي يمر، والعمر الذي ينقضي دون أن تحقق ما تحلم به وتتمكن من الصعود على سلم النجاح. إن الحياة لا طعم لها عندما نعيش حالة ثبات دون تقدم، رغم أن الثبات لا وجود له نسبيّاً؛ لأنك إن لم تتقدم، فأنت في الواقع لا تبقى مكانك، بل تتراجع إلى الوراء.
أن تكون أيامك نسخة متكررة عن بعضها البعض، يعني أنك تكبر في العمر من دون تغيير نوعي في حياتك. ما يعني أن حياتك محدودة الأيام تتلاشى شيئاً فشيئاً من غير تغيير. وهذا دليل على التراجع غير المرغوب.
اجلس مع نفسك قليلاً وقيم وضعك الحالي. هل تعيش حياة رتيبة مملة الآن؟ هل حققت شيئاً مما كنت تطمح إليه أم أنك ما تزال تحبو تجاه أحلامك؟ فإذا كنت كذلك، انفض عنك غبار الكآبة، وقرر منذ اللحظة أنك لن تدع يوماً يمر كاليوم الذي سبقه. تعلم لغة جديدة، تعرف إلى أشخاص جدد، غير ديكور غرفتك وترتيب أشيائك، اقرأ في مجال لم تألفه من قبل، مارس هوايات لم تمارسها سابقاً. فكل ما تحتاجه الآن هو إدخال التغيير إلى حياتك، وستلحظ بعد فترة قصيرة بأن أيامك ستختلف ومستقبلك سيغدو مختلفاً عن حاضرك الذي هو إلى اللحظة نسخة طبق الأصل عن ماضيك.
حمد حسن التميمي
Instagram: @hamadaltamimiii