+ A
A -
تونس دولة رمزية بامتياز فهي تمثل مع نماذج عربية أخرى دولاً نوعية قادرة على الفعل وخلق الفعل مثلها مثل قطر أو لبنان مع كل الاختلافات السياقية الممكنة.. تونس كانت شرارة ثورات الشعوب المباركة التي دكت صروحاً كبيرة من صروح الاستبداد وساهمت في خلق وعي بديل عن طبيعة المشهد العربي وطبيعة حركة المكونات داخل هذا المشهد.
فبعد الثورة وبعد سقوط النظام القديم أو تحديداً سقوط رأس النظام القديم دخلت البلاد مرحلة من انعدام الاستقرار وهي مرحلة كانت الدولة العميقة تسعى عبرها إلى استعادة المشهد وخنق الثورة. صحيح أن الدولة العميقة نجحت في العودة إلى السلطة عبر الانتخابات المزورة التي لم يتجرأ أحد على الإقرار بأنها كانت مزورة أفقياً وعمودياً.. صحيح كذلك أن الدولة العميقة بدأت تتحرك بكل إمكانياتها الإعلامية والإدارية والأمنية في محاولة يائسة لاستعادة النسق القديم وإعادة منظومة الاستبداد ولو بمساحيق ثورية يمكن تمريرها إعلامياً. لكن قراءة مسار الثورة المضادة الذي تعبر عنه الدولة العميقة أوضح تعبير عرف تغيرات كبيرة وهو يشهد اليوم أخطر مراحله على الإطلاق.. فالصراع القائم بين أطراف الحزب الحاكم، ممثلاً في حزب «نداء تونس» بما هو الوريث الشرعي لحزب «التجمع الدستوري» الديمقراطي وبقية الأحزاب الأخرى خارج حركة «النهضة» المحسوبة على الإسلاميين ينبئ بمزيد من الانقسام والتفكك.
الصراعات لا تنتهي سواء ما خرج منها للعلن أو ما بقي حبيس المجالس المغلقة واللقاءات الخاصة وليست الاستقالات الجماعية لحزب مشروع تونس إلا خير دليل على ذلك.. فهذا الحزب المجهري الذي خُلق بواسطة المال السياسي الفاسد خير مثال على الفقاعات السياسية والحزبية التي لا تزيد المشهد العام إلا تفككاً.. بل إن الأنباء توحي بالصدام بين الاتحاد العام التونسي لشغل وهو أكبر المؤسسات النقابية بالبلاد وبين السلطة السياسية ممثلة في رئاسة الحكومة بعد سلسلة الإقالات الأخيرة.
إن المشهد التونسي هو عنوان أصيل من عناوين عجز السلطة السياسية بمختلف مكوناتها على إعادة المشهد التونسي إلى ما قبل الانفجار الكبير الذي عبرت عنه ثورة شتاء 2010 في ريف سيدي بوزيد الفقير.. أي أن الثورة المضادة تقف اليوم عند أقصى منجزاتها ولا يمكنها أن تنجز أكثر مما أنجزته ولا يمكن إعادة النسق الاستبدادي القديم بالطرق السياسية.
الأزمة الحقيقية في تونس مزدوجة فمن ناحية أولى لم تنجح القوى السياسية الحاكمة في تعديل المسار الانتقالي وفي وضع البلاد على قاطرة الخروج من نفق انعدام التوازن ومن ناحية ثانية لا تملك بقية النخب المحسوبة عل الثورة وعلى شعاراتها بدائل حقيقية بسبب تشرذمها وانقسامها وحربها على المناصب والامتيازات ومرض الزعامة الذي تعاني منه أغلب قياداتها. سيكون الموعد الانتخابي القادم حاسماً في تونس، لأنه سيحدد بشكل شبه نهائي مصير الثورة التونسية ومصير التجربة الأنصع في تجارب الثورات العربية.
بقلم : محمد هنيد
فبعد الثورة وبعد سقوط النظام القديم أو تحديداً سقوط رأس النظام القديم دخلت البلاد مرحلة من انعدام الاستقرار وهي مرحلة كانت الدولة العميقة تسعى عبرها إلى استعادة المشهد وخنق الثورة. صحيح أن الدولة العميقة نجحت في العودة إلى السلطة عبر الانتخابات المزورة التي لم يتجرأ أحد على الإقرار بأنها كانت مزورة أفقياً وعمودياً.. صحيح كذلك أن الدولة العميقة بدأت تتحرك بكل إمكانياتها الإعلامية والإدارية والأمنية في محاولة يائسة لاستعادة النسق القديم وإعادة منظومة الاستبداد ولو بمساحيق ثورية يمكن تمريرها إعلامياً. لكن قراءة مسار الثورة المضادة الذي تعبر عنه الدولة العميقة أوضح تعبير عرف تغيرات كبيرة وهو يشهد اليوم أخطر مراحله على الإطلاق.. فالصراع القائم بين أطراف الحزب الحاكم، ممثلاً في حزب «نداء تونس» بما هو الوريث الشرعي لحزب «التجمع الدستوري» الديمقراطي وبقية الأحزاب الأخرى خارج حركة «النهضة» المحسوبة على الإسلاميين ينبئ بمزيد من الانقسام والتفكك.
الصراعات لا تنتهي سواء ما خرج منها للعلن أو ما بقي حبيس المجالس المغلقة واللقاءات الخاصة وليست الاستقالات الجماعية لحزب مشروع تونس إلا خير دليل على ذلك.. فهذا الحزب المجهري الذي خُلق بواسطة المال السياسي الفاسد خير مثال على الفقاعات السياسية والحزبية التي لا تزيد المشهد العام إلا تفككاً.. بل إن الأنباء توحي بالصدام بين الاتحاد العام التونسي لشغل وهو أكبر المؤسسات النقابية بالبلاد وبين السلطة السياسية ممثلة في رئاسة الحكومة بعد سلسلة الإقالات الأخيرة.
إن المشهد التونسي هو عنوان أصيل من عناوين عجز السلطة السياسية بمختلف مكوناتها على إعادة المشهد التونسي إلى ما قبل الانفجار الكبير الذي عبرت عنه ثورة شتاء 2010 في ريف سيدي بوزيد الفقير.. أي أن الثورة المضادة تقف اليوم عند أقصى منجزاتها ولا يمكنها أن تنجز أكثر مما أنجزته ولا يمكن إعادة النسق الاستبدادي القديم بالطرق السياسية.
الأزمة الحقيقية في تونس مزدوجة فمن ناحية أولى لم تنجح القوى السياسية الحاكمة في تعديل المسار الانتقالي وفي وضع البلاد على قاطرة الخروج من نفق انعدام التوازن ومن ناحية ثانية لا تملك بقية النخب المحسوبة عل الثورة وعلى شعاراتها بدائل حقيقية بسبب تشرذمها وانقسامها وحربها على المناصب والامتيازات ومرض الزعامة الذي تعاني منه أغلب قياداتها. سيكون الموعد الانتخابي القادم حاسماً في تونس، لأنه سيحدد بشكل شبه نهائي مصير الثورة التونسية ومصير التجربة الأنصع في تجارب الثورات العربية.
بقلم : محمد هنيد