هل وصل الخلاف بين أنقرة وطهران إلى ما يمكن تسميته صراعا؟ نحتاج لفهم ذلك للعودة لمنهجية إدارة العلاقات بين الدولتين تاريخيا، ومنذ صعود حزب العدالة ذي التوجه الإسلامي إلى منصة الحكم في 2003، فمع وجود جذور صراع سياسي وحتى مذهبي عميق جدا، إلّا أن البلدين حافظا على إبقاء خلافاتهما في العصور الحديثة تحت السيطرة العامة،
وإن كان العهد العسكري لم يكن يحمل وداً لإيران، وخاصة في قضية تبادل التجاذب، في مسار توظيف القضية الكردية في العراق وشرق تركيا عبر نظام الأسد، والذي استفز انقرة قديما.
وفي حركة الصعود الديمقراطي الجديدة لحزب العدالة، شهدت العلاقات الثنائية تقدما ملموساً، واستطاعت طهران بناء جناح فكري سياسي قوي لها في تركيا الحديثة، بعض شخصياته يرى ذلك ضمن ضرورة وحدة بلدان الشرق الإسلامي، كون أن الحرب الغربية التي ضربت الدولة العثمانية والاحتلال الأجنبي الذي قاومته الدولة الحديثة في تركيا، كان يستخدم هذه التفرقة، وهذه قضية تشمل مساحة واسعة من الحراك السياسي التركي علمانيين وإسلاميين، ولا يزال حزب السعادة التركي يتمسك بها.
ومع دور إيران في احتلال العراق، وهيمنة خطاب التوسع الطائفي في الشرق الإسلامي، توترت الحالة الدينية التركية وقاعدتها الصوفية الداعمة للرئيس أردوغان، حيث التصوف هو حامل الفكر الديني الأساسي في تركيا، وزاد السخط في المدارس الدينية مع استفزازات إيران وتوسعاتها الطائفية، ورعايتها لأعمال عنف إرهابية ضد المدنيين السنة، وخاصة بعد انفجار الوضع في سوريا.
وهو الملف الذي أوصل التوتر إلى مستويات عالية، أثرت فيما بين حزب العدالة وبين إيران، ولكن بقيت جسور طهران ممتدة للعمل السياسي التركي، وكان لدى حزب العدالة مسلمتان رئيسيتان لا تزالان قائمتين، الأولى الحفاظ على قاعدة المواطنة العامة، ومنع رياح الطائفية من الولوج إلى المجتمع التركي المحكوم بتعدد مذهبي صعب، وانتماء جعفري شيعي لبعض مواطنيها، وكتلة علوية كبيرة تعاطفت شرائح منها مع نظام الأسد خلال الثورة السورية.
وكان حزب العدالة يخشى من التفجير الطائفي، في الخطاب الذي وقع في الخليج والمشرق العربي، وأن يُستخدم في هدم البناء الاجتماعي التركي، وبالتالي يكون مدخلاً لضرب الديمقراطية من الداخل، أو من خلال التوظيف الغربي للحرب الطائفية، وأما الجانب الثاني فهو التوازن الإقليمي الحسّاس مع إيران أمام الغرب وقناعة البلدين بتجنب الوصول إلى حالة صدام مباشر، وفتح قنوات التعاون السياسي والاقتصادي، أمام هيمنة الغرب الواسعة.
وغالباً فإن هاتين القاعدتين لا تزالان تحكمان العلاقة البينية، لكن استمرار طهران بتحريك قواعد اللعبة مع الغرب والروس ونظام الأسد، وتصعيدها الإعلامي الشرس ضد تركيا بعد احتضانها للشعب السوري، ثم تصعيدها عليها في العراق حتى تمكنت من اخراج تركيا كليا من لعبة الموصل، عزّز لدى انقرة فكرة الدحرجة المستمرة ضد مصالحها وأمنها، وخاصة بعد تحالف طهران القوي مع موسكو.
ومجمل الموقف الروسي الأخير وخاصة في معركة منبج، يعزّز القول بأن قاعدة التوافق مع إيران هي الأساس في الملف السوري، وهي مقدمة على اتفاق الرئيس أردوغان مع بوتين، فضلاً عن العبث المستمر لطهران بالتنسيق مع موسكو وتوجيه فصائل كردية انفصالية، والتضييق التدريجي على تركيا وخنقها.
وهو المؤشر الذي بدأ يترسخ في أنقرة، من أن طهران تواصل خططها الالتفافية على حكومة العدالة، وتنجح في أكثر من مسار، هنا بدأ التخطيط السياسي في أنقرة يأخذ هذا البعد بجدية، ولم يتضح أن زيارة روحاني الأخيرة غيرت الموقف التركي، وإن أعادت الربط بقاعدة المصالح الكبرى بينهما.
لكن اهتمام انقرة الأخير بقضايا القوميات المضطهدة وخاصة البلوش، والأذريين وهي القومية الثانية في إيران، ذات الأصول المشتركة مع الأناضوليين، يُقرأ في هذا المسار، إضافة إلى التغطيات الإعلامية ضد إيران في اعلام الرئاسة، التي ترد على حملات شرسة قديمة ومستمرة للإعلام الإيراني.
ولأول مرة بدأت أنقرة بالتصريح المباشر عن مصالحها المشتركة، ومخاوفها مع دول الخليج العربي تجاه الزحف الإيراني، وخطر تمدد هذا المشروع الفارسي بحسب تصريح الرئيس أردوغان، وهو ما برز في جولة الرئيس الخليجية الأخيرة، فهل هذه التوافقات ستقود بالفعل إلى مشروع تطويق مشترك لإيران؟
هذا يخضع لسقف هذا التطويق وتوازنه، بين حدود ما تؤمن به تركيا في خصوصياته ووضعها الدولي، وقدرة دول الخليج العربي وثقتها بشراكة تضغط على إيران، لكن لا تفجر حرباً مذهبية جديدة، وتَبقى هذه الحسابات خاضعة لموقف واشنطن وموسكو الحقيقي، الذي قد تذهب مصالحه خلافا لظنون الموقف التركي الخليجي.
بقلم : مهنا الحبيل
وإن كان العهد العسكري لم يكن يحمل وداً لإيران، وخاصة في قضية تبادل التجاذب، في مسار توظيف القضية الكردية في العراق وشرق تركيا عبر نظام الأسد، والذي استفز انقرة قديما.
وفي حركة الصعود الديمقراطي الجديدة لحزب العدالة، شهدت العلاقات الثنائية تقدما ملموساً، واستطاعت طهران بناء جناح فكري سياسي قوي لها في تركيا الحديثة، بعض شخصياته يرى ذلك ضمن ضرورة وحدة بلدان الشرق الإسلامي، كون أن الحرب الغربية التي ضربت الدولة العثمانية والاحتلال الأجنبي الذي قاومته الدولة الحديثة في تركيا، كان يستخدم هذه التفرقة، وهذه قضية تشمل مساحة واسعة من الحراك السياسي التركي علمانيين وإسلاميين، ولا يزال حزب السعادة التركي يتمسك بها.
ومع دور إيران في احتلال العراق، وهيمنة خطاب التوسع الطائفي في الشرق الإسلامي، توترت الحالة الدينية التركية وقاعدتها الصوفية الداعمة للرئيس أردوغان، حيث التصوف هو حامل الفكر الديني الأساسي في تركيا، وزاد السخط في المدارس الدينية مع استفزازات إيران وتوسعاتها الطائفية، ورعايتها لأعمال عنف إرهابية ضد المدنيين السنة، وخاصة بعد انفجار الوضع في سوريا.
وهو الملف الذي أوصل التوتر إلى مستويات عالية، أثرت فيما بين حزب العدالة وبين إيران، ولكن بقيت جسور طهران ممتدة للعمل السياسي التركي، وكان لدى حزب العدالة مسلمتان رئيسيتان لا تزالان قائمتين، الأولى الحفاظ على قاعدة المواطنة العامة، ومنع رياح الطائفية من الولوج إلى المجتمع التركي المحكوم بتعدد مذهبي صعب، وانتماء جعفري شيعي لبعض مواطنيها، وكتلة علوية كبيرة تعاطفت شرائح منها مع نظام الأسد خلال الثورة السورية.
وكان حزب العدالة يخشى من التفجير الطائفي، في الخطاب الذي وقع في الخليج والمشرق العربي، وأن يُستخدم في هدم البناء الاجتماعي التركي، وبالتالي يكون مدخلاً لضرب الديمقراطية من الداخل، أو من خلال التوظيف الغربي للحرب الطائفية، وأما الجانب الثاني فهو التوازن الإقليمي الحسّاس مع إيران أمام الغرب وقناعة البلدين بتجنب الوصول إلى حالة صدام مباشر، وفتح قنوات التعاون السياسي والاقتصادي، أمام هيمنة الغرب الواسعة.
وغالباً فإن هاتين القاعدتين لا تزالان تحكمان العلاقة البينية، لكن استمرار طهران بتحريك قواعد اللعبة مع الغرب والروس ونظام الأسد، وتصعيدها الإعلامي الشرس ضد تركيا بعد احتضانها للشعب السوري، ثم تصعيدها عليها في العراق حتى تمكنت من اخراج تركيا كليا من لعبة الموصل، عزّز لدى انقرة فكرة الدحرجة المستمرة ضد مصالحها وأمنها، وخاصة بعد تحالف طهران القوي مع موسكو.
ومجمل الموقف الروسي الأخير وخاصة في معركة منبج، يعزّز القول بأن قاعدة التوافق مع إيران هي الأساس في الملف السوري، وهي مقدمة على اتفاق الرئيس أردوغان مع بوتين، فضلاً عن العبث المستمر لطهران بالتنسيق مع موسكو وتوجيه فصائل كردية انفصالية، والتضييق التدريجي على تركيا وخنقها.
وهو المؤشر الذي بدأ يترسخ في أنقرة، من أن طهران تواصل خططها الالتفافية على حكومة العدالة، وتنجح في أكثر من مسار، هنا بدأ التخطيط السياسي في أنقرة يأخذ هذا البعد بجدية، ولم يتضح أن زيارة روحاني الأخيرة غيرت الموقف التركي، وإن أعادت الربط بقاعدة المصالح الكبرى بينهما.
لكن اهتمام انقرة الأخير بقضايا القوميات المضطهدة وخاصة البلوش، والأذريين وهي القومية الثانية في إيران، ذات الأصول المشتركة مع الأناضوليين، يُقرأ في هذا المسار، إضافة إلى التغطيات الإعلامية ضد إيران في اعلام الرئاسة، التي ترد على حملات شرسة قديمة ومستمرة للإعلام الإيراني.
ولأول مرة بدأت أنقرة بالتصريح المباشر عن مصالحها المشتركة، ومخاوفها مع دول الخليج العربي تجاه الزحف الإيراني، وخطر تمدد هذا المشروع الفارسي بحسب تصريح الرئيس أردوغان، وهو ما برز في جولة الرئيس الخليجية الأخيرة، فهل هذه التوافقات ستقود بالفعل إلى مشروع تطويق مشترك لإيران؟
هذا يخضع لسقف هذا التطويق وتوازنه، بين حدود ما تؤمن به تركيا في خصوصياته ووضعها الدولي، وقدرة دول الخليج العربي وثقتها بشراكة تضغط على إيران، لكن لا تفجر حرباً مذهبية جديدة، وتَبقى هذه الحسابات خاضعة لموقف واشنطن وموسكو الحقيقي، الذي قد تذهب مصالحه خلافا لظنون الموقف التركي الخليجي.
بقلم : مهنا الحبيل