في كاشي، المدينة المقدسة لطائفة التاميل في الهند، كان يعيش، ويعزفُ أشد عازفي النَّأي نشازاً في العالم!

يدفعون له جيداً، كي يعزف بصورةٍ سيئة!

ففي خدمة الآلهة، على زعمهم، كان نايه يُعذب الشياطين!

كان أهالي كاشي يُقيدونه إلى شجرةٍ بسلسلةٍ طويلةٍ حتى لا يهرب، فقد كانت تأتيه عروض مغرية من مدنٍ قريبةٍ يقطنها غالبية من التاميل!

الجميع كانوا يريدون الاستحواذ على هذا الموسيقي المرعب!

قد يبدو هذا الحدث غريباً بعض الشَّيء، ذلك أنَّ مفهومنا للغرابة هو ما يفعله الآخرون ولا يعجبنا! ولكن لو تأملنا حياتنا بعين الموضوعية لاكتشفنا أن كثيراً مما نفعله قد يبدو غريباً بالنسبة للآخرين!

ثم بالله عليكم، ما الفرق بين عازف الناي المُرعب الذي لديه ملايين من المعجبين، وبين مقاطع «التيك توك» التافهة التي تبلغ مشاهدتها الملايين، ولكننا نستغرب الأولى، ونساهم في زيادة عدد مشاهدات الثانية! والأمر في حقيقته هو ذاته جعل التافهين مشاهير، ولكن واحد من زاوية عقديَّة والثاني من زاوية ترفيهية!

للأسف إن لقاء التفاهة سوقاً رائجاً لا يدلُّ على مستوى المحتوى التافه فحسب، وإنما يدل أيضاً على مدى تفاهة الجمهور العريض الذي يقع عنده هذا المحتوى موقع القبول!

ثم لماذا نذهب إلى الهند بعيداً، ولماذا نرمي الناس بالحجارة وبيوتنا من زجاج، ادعُ الناسَ إلى محاضرة علمية مجَّانية، يلقيها فقيه أفنى عمره بين الكتب، أو عالم ألّفَ فيها سطوراً أكثر من شعر رأسه! ثم ادعُ الناس إلى حفلٍ بطاقته باهظة الثمن لفنانة تُغني بجسدها أكثر مما تُغني بصوتها، ثم قارن بين الحضور هنا وهناك، تجد الناس بالغالب يزهدون في المعرفة وهي مجانية ويسارعون إلى التفاهة وهي مدفوعة الثمن!

والآن قُلْ لي أما زلتَ تستغرب كيف أن الدَّجال سيتبعه مليارات الناس؟! فإذا كانت التي لا تملك من الموهبة أكثر من الهز لديها هذا الكم من الأتباع، فما بالك بالذي يأتي معه جنة ونار، ويأمر السماء أن تمطر فتمطر، وبينهما يمكنه أن يُحيي الموتى بإذن الله امتحاناً لعباده وتمييزا بين الخبيث والطيب!