يروي إدواردو غليانو في كتابه «صياد القصص»

أنه في العام 1975 طلب «لال بيهاري» شهادة ميلاد من بلدية «أزامغارا» بولاية «أوتار براديش» الهندية.

أخطأ الموظَّفُ وسلَّمه شهادة وفاة!

ومنذ ذلك الحين بدأ ينام في الشارع، ويأكل من حاويات القمامة!

وقف في صفوف طويلة جداً، ومن مكتب إلى مكتب، ملأ استمارات كثيرة، ووقع على رسائل أكثر، طلب مساعدة الجمعيات التي تساعد اليائسين، ولكنه نهاية المطاف أدرك كم هو صعب أن يحصل الميت على عمل أو على زوجة!

نصحه أحد المحامين بأن يشنق نفسه، لأنه من المحال تصحيح السجلات الرسمية، وأنه لن يكون بإمكانه أن يُقنع أحداً بأنه ليس ميتاً يتظاهر أنه حي!

كما أنه لا يوجد نقابة تُدافع عنه!

عندئذٍ أسس هو نفسه جمعية المتوفين في الهند! فكانت أول نقابة للموتى في العالم!

القصة على طرافتها، وندرتها أيضاً، إلا أنها تلمسُ شيئاً في ذاكرة كل واحدٍ منا، فلا أحسبُ أن أحداً قد نجا من «مرمطةٍ» في إحدى الدوائر الرسّمية، ولو لمرةٍ واحدةٍ على الأقل!

أختام كثيرة، وتواقيع روتينية، ليس لها أيُّ داعٍ غير الإمعان في بَهدلتنا! تعالَ إلى هُنا، اِذهبْ إلى هناكَ، تشقلب هنا، قِفْ على رجلٍ واحدةٍ هناك، من غرفةٍ إلى غرفة، ومن موظفٍ إلى آخر، وكأنكَ جنديُّ في تدريبٍ للقوات الخاصة، ولستَ مجرَّد مواطنٍ مسكين «شرشحته» الحياة بما يكفي ولا ينقصه أن «يتشرشح» بصورة رسميَّة!

مشكلة الكثير من الموظفين في الدوائر الرسمية الذين لا يتعدى عملهم أكثر من ختم وتوقيع، أنهم يشعرونكَ أنَّ هذا العمل شاق جداً، وكأنكَ طلبتَ من أحدهم أن يحضرَ عرشَ بلقيس من سبأ، أو ينقل هرم خوفو من مصر إلى العراق، أو يجتاز المحيط الأطلسي سباحةً!

دوماً يخبرونك أنكَ يجب أن ترجع في الغد على أقل تقدير وكأنك قدَّمتَ مناقصة لشراء كل النّفط في كوكب الأرض، وما غرضكَ إلا تصديق شهادة، أو تسجيل مولود!

والكل في الدوائر الرسمية مدراء، حتى البواب يُشعركَ أنه رضوان الذي بيده مفاتيح أبواب الجنة، والسَّاعي الذي يحضر الشاي والقهوة يُشعركَ أنه المسؤول عن المراسم الملكية في قصر باكنغهام!

ما فينا يكفينا، فارحموا من في الأرض يرحمكم من في السَّماء!