+ A
A -
فلسطين-الوطن- أمين بركة
على الرغم من أن القيادات الفتحاوية تؤكد أن حركتهم تختط مسيرتها بثقة وصلابة وعزم؛ إلا أن كثيرين في الحركة يهمسون أن الحركة غاطسة في أزمات داخلية على رأسها أزمة القيادة التي تعاني منها «فتح» منذ وفاة مؤسسها الرئيس ياسر عرفات عام 2004.
وفي هذا السياق، أكد تقدير استراتيجي أن حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» باتت تقف أمام مفترق طرق من حيث خياراتها الاستراتيجية ذات العلاقة بهويتها ودورها كحركة تحرر وطني، أو حزب لسلطة حكم ذاتي، أو إبقاء قدم هنا وأخرى هناك، إضافة إلى مدى القدرة على استعادة وحدة صفوف الحركة وحمايتها من مخاطر الانقسام والتصدعات الداخلية.
وينبه التقرير الذي أصدره مركز «الزيتونة» للدراسات والاستشارات بعنوان «قراءة في المآلات الاستراتيجية للتحولات في هوية ودور فتح»، على ضوء المؤتمر السابع للحركة الذي عقدته في مدينة رام الله بالضفة الغربية قبل أكثر من شهر، أن هناك تحولات جوهرية في فكر حركة فتح وأنها باتت تعاني من أزمات عدة.
ويؤرخ عدد من المتخصصين للمؤتمر السابع لحركة فتح كمحطة استكملت فيها تحولها إلى حزب السلطة، أي باعتباره المؤتمر الأخير لحركة التحرر الوطني، والأول لحزب «فتح السلطة».
سيناريوهات عدة
وشدد التقرير على أنه من حيث الجوهر، يصعب استقراء مآلات التحولات في هوية ودور حركة فتح وتأثيراتها على الحالة الفلسطينية العامة، دون مراعاة ثلاثة عوامل مؤثرة.
ونبه إلى أن العامل الأول: سيناريوهات وديناميات تطور الصراع مع الاحتلال خلال الفترة القادمة، وما قد يفرضه من تغيير في استراتيجيات العمل الوطني الفلسطيني، بما فيه الاستراتيجية التي تعتمدها فتح ذاتها.
أما السيناريو الثاني، -بحسب التقرير- فهو: أين تتموضع جماعات المصالح في حركة فتح فيما يتعلق بالقضايا الرئيسية التي تمتلك فتح التأثير الأكبر عليها باعتبارها الطرف المهيمن على السلطة، والمنظمة، والدولة بصفة مراقب في الأمم المتحدة، والموقف من الصراع مع الاحتلال، والعلاقة مع إسرائيل، وبالتالي بنية ودور ووظائف السلطة، وأهداف وأشكال النضال، والموقف من المصالحة الداخلية، بما في ذلك بنية ودور منظمة التحرير الفلسطينية.
وبشأن السيناريو الثالث فيتمثل بمواقف فصائل العمل الوطني والإسلامي ومنظمات العمل الأهلي والشعبي إزاء ما سبق، وخصوصا قدرتها على بلورة رؤية واضحة بشأن إعادة بناء الوحدة الوطنية، وتفعيل المؤسسات التمثيلية الفلسطينية.
وشدد التقرير على أنه بالقدر الذي يعد فيه انعقاد المؤتمر العام السابع لحركة فتح انتصارا للرئيس عباس، فإنه يعد أيضا انتصارا للموالين لخيارات الرئيس من أصحاب المصالح المرتبطة ببقاء السلطة التي يمسك الرئيس بزمامها.
مواقع قوة ونفوذ
وبيّن التقرير أن مقدمات ونتائج المؤتمر جاءت تتويجا لنجاحات الرئيس عباس في توجيه مسارات الصراعات على مواقع القوة والنفوذ، بمهارة القادر على التحكم بخيوط دمى متحركة على مسرحي فتح والسلطة.
ونبه التقرير إلى أن الرئيس محمود عباس بدأ كمن يسمو على كل الصراعات، بل ويخرج أكثر قوة كلما تفاقمت الخلافات والتصدعات، في مفارقة لا سابق لها تتحول فيها الشقاقات بدلا من الوحدة إلى مصدر لتعزيز «الشرعية»، في إشارة إلى انحطاط السياسة ذاتها مع تفكك المبنى السياسي للحركة الوطنية ومؤسسات العمل الوطني عموما.
وذكر أن عباس كسب واحدة من أهم الجولات على مستوى تعزيز شرعية قيادته للحركة، وتمكن من بناء نقطة استقطاب يصبح فيها خصومه هم ذاتهم خصوم مجموعات المصالح في مؤسسات السلطة المدنية والأمنية بشكل خاص، ما مكنه من توجيه ضربة قوية لخصومه، سواء في تيار عضو اللجنة المركزية السابق محمد دحلان، أم المنتقدين لسياساته، أم بقايا المحسوبين على حقبة الرئيس الراحل ياسر عرفات.
كما تمكن الرئيس من الحصول على دعم لبرنامجه السياسي على حساب البرنامج السياسي الذي كان أعد ضمن وثائق المؤتمر، وانتخاب أغلبية موالية له في اللجنة المركزية والمجلس الثوري. وهو ما يجعل الرئيس في وضع أفضل استعدادا لخوض جولات أخرى في سياق إعادة ترتيب موازين القوى في الهيئات العليا للسلطة ومنظمة التحرير، بما يخدم إحكام قبضته على عملية صنع القرار على مختلف المستويات.
وبين التقرير أن القواعد الواسعة المؤيدة للحركة تنخرط في مواقع النضال التي تفرضها طبيعة الصراع ذاته، إضافة إلى وجود تيار في الهيئات القيادية يؤمن بأن السمة الرئيسية للمرحلة ما تزال التحرر الوطني، على الرغم من تراجع دور ونفوذ هذا التيار الذي أسهم في انتخاب الأسير مروان البرغوثي بأعلى الأصوات.
وشدد على أن الحركة باتت تقف أمام مفترق طرق من حيث خياراتها الاستراتيجية ذات العلاقة بهويتها ودورها كحركة تحرر وطني، أو حزب لسلطة حكم ذاتي، أو إبقاء قدم هنا وأخرى هناك، إضافة إلى مدى القدرة على استعادة وحدة صفوف الحركة وحمايتها من مخاطر الانقسام والتصدعات الداخلية.
تحول لحزب السلطة
وفي هذا السياق، يشير أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، الوزير السابق وعضو المجلس الاستشاري لحركة فتح إبراهيم أبراش إلى أن تحويل حركة فتح لحزب السلطة والدولة سيغير من طبيعة الصراع مع العدو، وسيقطع الطريق على العودة لحالة التحرر الوطني في حالة فشل كل جهود التسوية السياسية، أو إقدام إسرائيل على ضم الضفة الغربية أو جزء منها.
وبيّن أبراش في مقالة له بعنوان «المؤتمر الأخير لحركة فتح الثورة، والأول لحزب فتح السلطة والدولة» أن تحويل حركة فتح لحزب السلطة والدولة سيثير إشكالات حول علاقتها بمنظمة التحرير واستمرارها في قيادتها، مع أن حال كل فصائل منظمة التحرير ليس بأفضل من حال حركة فتح، وهي ليست بعيدة عن السلطة وفكرة الدولة.
وشدد على أن هذا الأمر سيكون أكثر تعقيدا بالنسبة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي فيما يتعلق بمطلب إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير. ونبه أن تحويل حركة فتح لحزب السلطة والدولة، وخصوصا إن استطاعت جر بقية الفصائل والأحزاب لهذا الخيار، سيؤدي لفراغ في ساحة العمل الوطني التحرري مما سيدفع آخرين لمحاولة ملئه، سواء كانوا من حركة فتح أم من خارجها. وأشار إلى أن مؤتمر فتح السابع أخفق في أن يشكل محطة لاستنهاض الحركة ويقدم إجابات تتعلق بتحديات الهوية والدور واستراتيجيات العمل الوطني على أساس مراجعة التجربة الماضية، وخصوصا منذ اتفاق أوسلو، وتحول إلى مؤتمر انتخابي بامتياز على حساب النقاش المتعلق بمتطلبات استنهاض الحركة، واختتم أعماله بإبقاء القديم على حاله.
ضربة لتيار دحلان
وبالعودة إلى تقرير الزيتونة، فقد أكد أن مؤتمر فتح السابع لم يشكل محطة للتجديد في الاستراتيجية المعتمدة، كما ضمت اللجنة المركزية الجديدة 12 عضوا من اللجنة القديمة من أصل 18 عضوا، وسوف ينضم إليهم 4 أعضاء بالتعيين، في حين يتوقع استرضاء بعض الغاضبين بسبب تدني تمثيل قطاع غزة، والقدس، وبعض أقاليم الشتات، بتعيينات مدروسة في المجلس الثوري.
وأكد على أن عباس نجح في توجيه ضربة قوية لتيار دحلان، تمهد لاستكمال بعض الإجراءات لإقصاء بعض المحسوبين على هذا التيار من الحياة السياسية، باللجوء إلى تجهيز ملفات فساد مصممة لاستبعادهم، وتقديمها إلى المحاكم. كما استبعد العديد من المناوئين والمنتقدين لسياساته، وخصوصا المحسوبين على حقبة الرئيس عرفات.
ولفت إلى أنه لم يبق في قيادة الحركة من الجيل المؤسس سوى محمود عباس نفسه، بعد منح زملائه المؤسسين الثلاثة محمد غنيم، وسليم الزعنون، وفاروق القدومي، عضوية فخرية في اللجنة المركزية.
وقال: «حركة فتح التي بات يطلق عليها حزب السلطة أو حزب الموظفين ذوي المصلحة في بقاء الوضع القائم على حاله، بما في ذلك السلطة وشكلها ووظائفها الحالية».
وأضاف: «باتت السلطة أكثر ضعفا في مواجهة التحديات الكبرى التي تنتظرها على مستوى مدى القدرة على صيانة تماسك صفوفها، وعلى مستوى الصراع مع الاحتلال في ظل اندفاع حكومة اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتانياهو في تعميق الاحتلال والاستيطان، والقضاء على أي فرصة لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود سنة 1967 وعاصمتها القدس».
كتل مختلفة
وأشار إلى أن هناك عوامل مؤثرة في السيناريوهات المحتملة بالنسبة لأوضاع حركة فتح الداخلية، مشيرا إلى أن هناك ثلاث كتل في فتح يتوقف على طريقة تصرفها مدى النجاح في رص صفوف الحركة أو توسيع الخلافات والتصدعات الداخلية.
وبيّن أن الكتلة الأولى تتمثل في فتح بهيئاتها المنتخبة، وخصوصا اللجنة المركزية، التي لا يعرف ما إذا كانت سوف تعتمد نهجا قائما على التجميع وليس التفريق، من حيث إعادة الانفتاح على عشرات القادة والكوادر ممن اتخذت بحقهم إجراءات على خلفية «التجنح»، وكذلك الغاضبون من استبعادهم من عضوية المؤتمر. واستدرك: «على الرغم من أن الرئيس عزز من موقعه بصفته «المايسترو» القادر على التحكم بإيقاع ومنسوب الصراعات الداخلية على مواقع القوة والنفوذ، ومن ضمنها التنافس على موقعي نائب رئيس الحركة، وأمين السر».
والكتلة الثانية تتمثل في المئات من المصنفين ضمن الجيلين الثاني والثالث في الحركة اللذين لم يعودا ضمن الهيئات القيادية، وربما خارج المجلس الاستشاري للحركة، ومعظم هؤلاء يفضلون البقاء ضمن صفوف الحركة، وانتظار الترتيبات المحتملة لإعادة توزيع وتدوير المناصب على مستوى السلطة، وعضوية فتح في المجلس الوطني، والمجلس المركزي، واللجنة التنفيذية.
وبيّن أنه يمكن أن يشكل جزء كبير من الكوادر التاريخية ضمن هذه الكتلة عامل ضغط إيجابيا للدفع باتجاه الحفاظ على طابع فتح كحركة تحرر وطني في مواجهة مجموعات المصالح المرتبطة ببقاء السلطة على حالها.
أما الكتلة الثالثة فهي تيار دحلان الذي يطلق على نفسه «التيار الإصلاحي الديمقراطي»، ويحظى بدعم من أطراف عربية، ويستعد لمواصلة خطواته انطلاقا من رفض التسليم بشرعية المؤتمر السابع ونتائجه. صحيح أن هذا التيار تلقى ضربة قوية بانعقاد المؤتمر ونتائجه، لكنها لم تكن قاضية.
وأشار إلى أن تيار دحلان يقف اليوم أمام خيارين، الأول يتمثل في استمرار العمل تحت اسم فتح في حالة أقرب إلى الانشقاق بعد استبعاده من صفوف الحركة، ما يعني إيجاد حالة من التنازع على الشرعية والخلافة على الرغم من صعوبة تحقيقه نجاحات تذكر على صعيد التشكيك بنتائج المؤتمر وشرعية الرئيس، أو العمل ضمن إطار سياسي جديد، مما يقضي على فرص استمرار استقطاب عدد كبير ممن يعدون أنفسهم أبناء لحركة فتح تاريخيا، وكذلك صعوبة التأثير في الحياة السياسية الفلسطينية طالما أن هذا التيار لا يطرح برنامجا سياسيا يختلف عما تتبناه فتح ورئيسها.
كما أن هذا التيار يعتاش على دعم خارجي تحفزه المخاوف من اليوم التالي لغياب الرئيس، لكن تشكيل حركة سياسية جديدة يضعف هذا الدعم، لأنه يعني أن دحلان بات خارج فتح التي توفر المنظومة اللازمة لفتح الطريق أمام رئاسة منظمة التحرير، وربما السلطة. هناك خيار آخر أمام تيار دحلان- بحسب تقرير الزيتونة- حيث يدعو هذا التيار له بعض أقطابه، وهو الاستعداد منذ اللحظة الراهنة لتشكيل قوائم انتخابية قادرة على منافسة قوائم فتح الرسمية في أي انتخابات قادمة، سواء للرئاسة والمجلس التشريعي، أم للانتخابات المحلية. وهو احتمال مثير لقلق الرئيس ويستعد لمواجهته بتوجيه «ضربات استباقية» لشخصيات فتحاوية تخرجها من حلبة المنافسة في حال إجراء الانتخابات.
الخروج من المأزق
واستنتج تقرير الزيتونة بأن هناك ثمة دينامية للصراع يفرضها اندفاع اليمين الصهيوني في تعميق الاحتلال والاستيطان والرهان على دعم غير مسبوق من إدارة ترامب، وهو ما يبقي الباب مفتوحا باتجاه فرض متغيرات على السياسة التي يمكن أن تعتمدها حركة فتح والقيادة الفلسطينية عموما، وبشكل خاص من حيث فرض مسار من المواجهة السياسية والميدانية مع قوات الاحتلال والمستوطنين، والحاجة إلى توفير متطلبات هذا التحول في الاستراتيجية الفلسطينية، وفي مقدمتها إعادة بناء الوحدة الوطنية على مستوى المنظمة والسلطة.
ولفت إلى أن سيناريو التغيير في سياسة حركة فتح يبقى باتجاه استعادة إطار التحرر الوطني قائما، بطريقة قد تعلي من وزن الدور الذي قد يدفع باتجاهه عدد من المناضلين المؤمنين باستعادة مكانة فتح كحركة تحرر وطني، سواء من بين أعضاء اللجنة المركزية الجديدة والمجلس الثوري، أم مئات الكوادر من مناضلي الحركة في الوطن والشتات، ممن يمتلكون رؤية نقدية للمسار السابق ومتطلبات الخروج من المأزق الراهن.
وبيّن أن ترجيح التحول باتجاه التغيير في نظام الحركة لا يمكن أن يبقى مرهونا بانتظار ردود أفعال الاحتلال ومستوى تطور الصراع على الأرض، بل يتطلب المبادرة من فصائل العمل الوطني والإسلامي، والمناضلين من قادة فتح، إلى الدعوة للانخراط في ورشة عمل وطنية لتصحيح المسار الاستراتيجي، عبر حوار وطني شامل، قبل عقد المجلس الوطني.
copy short url   نسخ
10/01/2017
660