+ A
A -
القول: أُكلتُ يوم أُكلَ الثورُ الأبيض
القائل: علي بن أبي طالب رضي الله عنه
أما القصة: عندما رأى علي بن أبي طالب رضي الله عنه كيف أصبحت الخلافة تُطلب بالسيوف بعد أن كانت تُعقد بالبيعة، قال: إنما مثلي ومثل عثمان مثل ثيران ثلاثة كانوا في غابة، أحدهم أبيض، والثاني أسود، والثالث أحمر، وكان معهم أسد، فكان لا يقدر عليهم مجتمعين، فقال للثور الأسود والأحمر إنه لا يدل علينا في موضعنا هذا إلا الثور الأبيض، فإن لونه مشهور ولوني على لونكما، فلو تركتماني آكله لصفا لنا العيش بعد ذلك، وكُتم أمرنا، فقالا: دونك فكله! ثم قال للثور الأحمر: لوني على لونك فدعني آكل الأسود، فيصفو لنا العيش بعد ذلك، فقال له: دونك فكله! فأكله، ثم بعد أيام قال للثور الأحمر: إني آكلك لا محالة، فقال: دعني أنادي أولًا، فأذن له، فنادى بأعلى صوته: ألا إني أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض! ألا وإني وهنت يوم قُتل عثمان!
الدرس الأول:
لا تسمح للباطل أن يبدأ بغيرك، لأنه حتمًا سيصلك، كل معتقل ظلمًا لا تقف معه، أنت في الحقيقة تحجز لك مكانًا في الزنزانة المجاورة، كل وظيفة لا يمكن الوصول إليها إلا بالواسطة فتسكت لأن الأمر لا يعنيك، سيأتي يوم تصبح فيه الواسطة في أمر يعنيك، كل ضريبة جائرة تنأى بنفسك عنها لأنها اليوم لا تطالك لن يطول الأمر حتى يطالك مثلها، بعض السياسات جس نبض، وقد كثر الصفع على خدودنا لأننا سكتنا عند الكف الأول!
الدرس الثاني:
النبيل إذا اشتعل بيت جاره هبَّ ليساعد في إطفائه، لأنه لا يستطيع أن يرى الشر يطال غيره وينأى بنفسه، أما العاقل إذا رأى النار اشتعلت في بيت جاره هبَّ ليساعد في إطفائها لأنه يعرف أنه من الممكن أن تلتهم بيته بعد بيت جاره، فإن لم يكن فينا نُبل فليكن فينا على الأقل عقل!
الدرس الثالث:
أخبث الأعداء من مشي في أعدائه بسياسة فرِّق تَسُدْ، أو لعله أعقلهم، فإذا كانت مصلحة أعدائنا أن يفرقونا ليسهل عليهم أكلنا واحدًا واحداً فما هي مصلحتنا أن نتفرق، إنَّ الذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية، والأسود إذا أرادت افتراس ثور عزلته عن القطيع أولًا، الضعفاء إذا اجتمعوا صاروا أقوياء، والأقوياء إذا تفرقوا صاروا ضعفاء!
الدرس الرابع:
سقطت القدس يوم سقطت الأندلس، وسقطت بغداد يوم سقطت القدس، وسقطت صنعاء يوم سقطت بغداد! هذه سُنة اللهِ في الأمة التي أرادها أن تجتمع فاختارت أن تتفرق، عندما حكمنا العالم من مشرقه إلى مغربه كنا قد انتقلنا من منطق القبيلة التي لا يعنيها إلا شأنها إلى منطق الأمة التي إذا اشتكى منها عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسَّهر والحمى، واليوم عدنا سيرتنا الأولى، قبائل! وأخذت القبيلة شكلًا حديثًا على هيئة دولة لا يعنيها إلا شأنها، وما أن تسقط قبيلة حتى يبدأوا يفكرون أي القبائل ستكون بعدها، متى سنفهم أننا حين ندافع عن الآخرين فنحن في الحقيقة ندافع عن أنفسنا؟!
بقلم : أدهم شرقاوي