+ A
A -

كانت «فيليس وهايتلي» شاعرةً بارعةً، وُلدتْ في السنغال، وكان لها اسمٌ آخر لا أحد يعرفه! سُميت «فيليس» لأن سفينة المستعمرين التي جاءت بها تحملُ هذا الاسم، و«وهايتلي» هو اسم التاجر الذي اشتراها!

في بوسطن عرضَها النَّخاسون للبيع، كان عمرها ستَّ سنواتٍ وقتذاك، وفي الثالثة عشرة من عمرها صارت تكتبُ أشعاراً باللغة الإنجليزية التي أتقنتها من الذين اشتروها!

لم يصدِّقْ أحد أنها هي نفسها مؤلفة تلك الأشعار!

وفي العشرين من عمرها، أُخضِعتْ للاستجواب في محكمة مكونة من ثمانية عشر سيداً، بعباءات وشَعْرٍ مستعار. وكان عليها أن تُلقي أمامهم نصوصاً لفرجيل وميلتون، ومقاطع من الإنجيل!

وكان عليها أن تُقسم أيضاً على أن القصائد التي كتبتها ليست منتحلة!

ولكنها اجتازتْ هذا الاختبار ببراعة، واعترفتْ تلك المحكمة بموهبتها قائلة:

فيليس زنجية، وعبدَة، ولكن صادفَ أنها شاعرة!

أعتقدُ أن العنصرية هي أطول الأمراض عمراً على ظهر هذا الكوكب، فكل الأمراض التي فشتْ بين الناس فتكتْ فيهم برهةً من الزمن ثم تم وضع حدٍّ لها، الملاريا، الطاعون، شلل الأطفال، الجذام، كورونا، صارت تاريخاً بعدما استفحلت فترةً، أما العنصرية فيُعلمُ لها تاريخ ولادة ولكن لا تاريخ فناء لها إلا بفناء هذه البشرية!

بدأت العنصرية حين قال إبليس عن أبينا آدم عليه السلام: «أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ»! ولم يكن له من مقومات ادعاء بهذه الأفضلية إلا أنه مخلوق من نار!

تماماً كما يعتقد البعض أنهم أفضل من الآخرين لأن بشرتهم بيضاء، أو يملكون المال، أو يقطنون مدينةً ما، أو حيَّاً في مدينة ما!

يُخيَّل إليَّ أن الإنسان في سعي دؤوب في البحث عن أسباب تجعله يعتقدُ أنه أفضل من الآخرين!

نحن من تراب وإلى تراب، وبينهما خرجنا من مكان البول مرتين، مرةً من أصلاب آبائنا ومرةً من أرحام أمهاتنا! هذه هي حقيقتنا التي نتجاهلها، وقيمتنا الحقيقية ليست في لون بشرتنا، ولا في شهاداتنا، ولا أموالنا، ولا مراكزنا الاجتماعية وجنسياتنا، قيمتنا الحقيقية هي بمقدار ما نكون في رضى الله تعالى، ورصيدنا هو الأيدي التي نمدها إلى الناس بالمساعدة، وبالخواطر التي نجبرها، وبالدمع الذي نمسحه، وبالحزن الذي نزيله وبالقلب النقي الذي يحمل الخير للناس، وبالقناعة بما قسم الله لنا في هذه الحياة! وما تبقى فهو عَرضٌ زائلٌ، وبهرج خادع لا يدعو إلى الفخر والتعالي!

copy short url   نسخ
26/02/2023
555